"ولادة نجمة": إنقاذ كلاسيكية العمل

"ولادة نجمة": إنقاذ كلاسيكية العمل

26 أكتوبر 2018
"ولادة نجمة" لبرادلي كووبر: شخصيات سينمائية (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
قبل عرضه الأول في الدورة الـ75 (29 أغسطس/ آب ـ 8 سبتمبر/ أيلول 2018) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي"، لم تكن هناك توقّعات واضحة عن المستوى الفني لـ"ولادة نجمة" (A Star Is Born) لبرادلي كووبر، أو حتى احتمال نجاحه جماهيريًا، إذْ يمكنه أن ينجح بشدّة أو يفشل تمامًا، لأن تفاصيله كلّها تحمل مخاطرات، بدءًا من كون الإخراج هو الأول للممثل كووبر، الذي يمرّ في فترة هبوط في مسيرته المهنيّة في الأعوام الـ3 الأخيرة. كما أنه اقتباس عن قصّة كلاسيكية ناجحة، أُنجزت سينمائيًا بالعنوان نفسه أكثر من مرة. بالإضافة إلى ذلك، هو من بطولة لايدي غاغا، في ظهورها الأول كممثلة رئيسية. 
في النهاية، عُرض الفيلم، ونال استقبالاً جيدًا جدًا، أفضل من أيّ توقّعات. والغريب أن فيلمًا بهذه المخاطر كلّها كان السبب الأهم في نجاحه أن خياراته الفنية "آمنة" وتقليدية إلى تلك الدرجة.

لم يُغيّر الفيلم أبدًا في كلاسيكية الحكاية وبساطتها، ولم يحاول التعمّق في محاورها التي تحتمل تعمّقًا: جاكسون ماين (كووبر)، نجم موسيقى "كاونتري" ناجح جدًا، لكنه ـ كما يظهر في المشاهد الأولى ـ يعاني اكتئابًا وإدمانًا على الكحول. تتغيّر حياته عند ذهابه بعد إحدى حفلاته إلى بار صغير، حيث يلتقي المغنية آلي (لايدي غاغا) فيقرّر التعرّف إليها. بعد ليلة طويلة ومليئة بالتفاصيل، يقرّر تبنّي موهبتها. تصعد معه إلى المسرح، ويغنّيان، ويحقّقان نجاحًا بالغًا. تسير الأمور بشكل جيّد، حتى يتقاطع تصاعد نجمها مع خفوت نجمه وازدياد إدمانه على الكحول.

أثناء مُشاهدة "ولادة نجمة"، ينتابك شعورٌ بأنك سبق أن رأيت ما يحدث أمامك، وهذا ليس لكونه إعادة لفيلمٍ سابق، بل لأن فصول السيناريو تتحرّك بأكثر الأشكال توقّعًا وتقليدية بالنسبة إلى فيلم موسيقي ـ رومانسي كهذا: لقاء، فإيمان بالموهبة، فنجاح وأوقات سعيدة، ثم وقوع تعثّرات وصدامات، وصولاً إلى النهاية الميلودرامية. لم يتعمّق السيناريو أبدًا في مشاعر شخصية جاكسون مثلاً، وهو يرى زوجته ـ أي الشخص الذي قدّمه إلى العالم ـ تسبقه بخطوات، ولم يمنح مساحة أكبر لعلاقته بأخيه، وما تكشفه العلاقة عن ماضيهما وحياتهما وكيف وصلا إلى تلك الحالة. فكلّ شيء في النص لا يتعدّى القشور، في مقابل السير بشكلٍ آمن وواضح وتقليدي حتى النهاية.

رغم تواضع مستوى السيناريو، أو تحديدًا سطحيته الشديدة، فإن "ولادة نجمة" ليس سيئًا أبدًا، بل إنه جيّد أحيانًا كثيرة بفضل الاستثمار الفني الذكي لعناصره الأخرى، وأهمّها الأداء التمثيلي الرائع والمفاجئ للايدي غاغا، والكيمياء الواضحة التي تجمعها ببرادلي كووبر على الشاشة الكبيرة، علمًا أن كووبر نفسه في أفضل أداء له منذ Silver Linings Playbook (2012) لديفيد أو. راسل، فإذا بظهورهما معًا في مشاهد حوارية طويلة يُصبح مصدر جذب للمُشاهدين، وغناؤهما معًا يصنع لحظات ممتعة، خصوصًا مع الاهتمام المنطقي بالأغاني والموسيقى في العمل، ودعمها الدرامي لما يحدث.

كذلك، يمتد تأثير برادلي كووبر في إدارة الممثلين إلى آخرين أيضًا، وتحديدًا سام إليوت الذي سيُرشّح غالبًا لـ"أوسكار" أفضل ممثل ثانٍ عن دور الأخ. أما النتيجة، فهي بعض المشاهد القوية وصادقة المشاعر التي تبقى في الذهن حتى لو لم تكن مفاجئة: حفلة توزيع جوائز "غرامي"، ومشهدَا تصادم الشقيقين وتصالحهما في الفندق والسيارة، والنهاية المتتالية، وصولاً إلى الخاتمة المؤثّرة للفيلم، التي تترك طاقة عاطفية جارفة، رغم كلاسيكية العمل وتقليديته.

المساهمون