الدراما السورية: الانتاج الحكومي يجني على نفسه

الدراما السورية: الانتاج الحكومي يجني على نفسه

19 أكتوبر 2018
فشل النظام في تحقيق ازدهار صناعة الدراما السورية (فيسبوك)
+ الخط -
بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، نأت بعض المحطات العربية عن شراء مسلسلات سورية، ولا سيما تلك القائمة على فرض رؤية النظام للأحداث، وادعائه العلمانية ومحاربته للإرهاب والتطرف. في سياق ذلك، أحدث النظام مؤسسةً للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني مختصة بالأعمال الدرامية، وخصص لها من ميزانية الدولة ما يقارب المليار ليرة سورية، كي تنتج دراما محلية، وتملأ الفراغ الناتج عن تردد شركات الإنتاج الخاصة في تقديم أعمال جديدة، وهجرة الكوادر من نجوم وكتاب ومخرجين إلى الخارج.

إلا أن المؤسسة لم تثمر، بل دخلت السوق خاسرة، وما زالت حتى اليوم غير قادرة على رد أرباح إنتاجاتها، رغم بيعها بعض الأعمال عن طريق وسطاء لقنوات عربية، خاصة قناة أبوظبي، كما جرى مع مسلسلات "يا مال الشام" و"حرائر" و"حارة المشرقة" و"دامسكو"، وغيرها من المسلسلات المصورة داخل دمشق، والقائمة على التمويل من قبل ميزانية المؤسسة الحكومية. في حين تصاعدت الخلافات داخل أروقة المؤسسة أكثر من مرة نتيجة للفساد المتعاقب من مدير تلو الآخر. وكما هي العادة، يفرض كل مدير جديد سياسة تعمل على تدمير كل ما سبق إنجازه في عهد المدير الفائت، محاولاً نسب إنتاجات المؤسسة لنفسه. لكن الوضع بلغ الحد الأكثر تخبطاً في عهد المدير الحالي، زياد الريس. فمنذ استلامه، قرر الريس طرح أشكال درامية جديدة تناسب أنماط التدفق عند المشاهدين، على حد وصفه. فقدّم عبر صفحة المؤسسة على الفيسبوك دعوة للكتاب بهدف انتقاء مجموعة من النصوص الدرامية تحت اسم "خبز الحياة".
المشروع الذي أعلن عنه قبل أشهر، بدأت ملامحه تتكشف. فحيث كان من المقرر إنتاج عمل سيرة ذاتية للفنان دريد لحام، ضمن المشروع، كشفت الأيام الأخيرة عن ضم المؤسسة نص مسلسل شامي يحمل اسم "شوارع دمشق العتيقة" إلى قائمة الأعمال المنجزة ضمن مشروع "خبز الحياة"، وهو العمل الشامي الأول ضمن إنتاجات المؤسسة. فرغم جرعات التشبيح العالية في أعمالها، خلال السنوات الفائتة، إلا أن الإنتاج ظل محصوراً في النصوص المعاصرة. فجاء اختيار هذا المسلسل كصفعة للمشروع وأهدافه في ربط المواطن بأرضه، وتصوير الواقع ومشكلات الحياة اليومية كما طرح نص الإعلان عن المشروع. من ناحية ثانية، يجري التحضير لتصوير مسلسل قائم على لوحات منفصلة يحمل اسم المشروع كاملاً أي "خبز الحياة" فيما يبدو وكأنه تقليص للمشروع من خطة قائمة من الأعمال إلى مسلسل يتيم لم تظهر عوالمه بعد.
وهذا لا يعني أن المؤسسة لا تبحث عن التعويم لإنقاذ صورتها وطرح نفسها على الجمهور، وكأنها شركة إنتاج قادرة على استقطاب نجوم الصف الأول. وهذا ما يفسر اعتمادها إنتاج مسلسل قائم على الخماسيات، لسهولة تسويقه وكثرة النجوم المدرجين في حلقاته، وذلك عبر مسلسل "عن الهوى والجوى"، بوجود منى واصف وغسان مسعود ومحمد حداقي، وأسماء كثيرة لم تتعامل مع المؤسسة كثيراً في السنوات الاخيرة.
أما العرض فليس مهماً بالدرجة الأولى، وهذا ما يفسر كثرة الإنتاجات في العامين الماضيين، على عكس العام الأخير في عهد المديرة السابقة، ديانا جبور، والتي ترددت في دخول غمار مسلسلات غير رابحة، تثقل كاهل الميزانية، وتزيد سمعة الدراما السورية سوءاً. أما الريس، فلا يختلف كثيراً عن الطرح الذي يقدمه نقيب الفنانين في حكومة النظام، زهير رمضان، رغم اطلاعه على الدراما، بعكس من سبقه الإعلامي ماهر الخولي، والذي لم تطل فترة استلامه للمؤسسة حتى بدا عدم تمكّنه من إدارة دفة المؤسسة.
الخلافات مع المؤسسة وصلت إلى الفنانين، فكان الجدال الأقوى قبيل رمضان الفائت عن مسلسل "ترجمان الأشواق" الممنوع من العرض حتى الآن، والذي تحفظت فيه المؤسسة على عدة نقاط رفضت بموجبها عرض العمل على الشاشات. لتعود اليوم وتفرض على المخرج محمد عبد العزيز، إعادة تصوير مشاهد الفنان غسان مسعود، وحذف الأفكار السلفية من المسلسل كما تدّعي جهات عدة في النظام ساهمت في منع العرض. ومؤخّراً، تراشق الفنان أيمن زيدان، التهم مع المؤسسة على صفحتها في الفيسبوك، حول حذف شارات المسلسلات القديمة، وتهميش صنّاعها الحقيقين بطريقة ذكر أسمائهم بشكل باخس في الشارة الهجينة.
وحيث تشكل قناة "سوريا دراما" منفذ العرض الوحيد للمؤسسة، شاركتها في الموسم الفائت قناة "لنا" المملوكة لرجل الأعمال السوري سامر فوز عرض مسلسل "روزنا" للفنان بسام كوسا. فلا تبحث المؤسسة عن قنوات أخرى بديلة، خصوصاً مع شبه انعدام في التواصل مع قنوات عربية. ما يعني حصر العرض في القنوات السورية المحلية، وبذلك تكون الأيدولوجيا أكثر مباشرة والرسائل المقدمة أكثر فجاجة. وإذ بدأت المشكلات فلا تنتهي، فلا يوجد ممثل شاب يؤمن بأن المؤسسة تعمل على "كاستنغ" صحيح لاختيار المواهب، ولا كاتب يتشجع للكتابة تحت مقص الرقيب السوري الجزار في الدوائر الحكومية، ولا نجم يترك أجراً مادياً كبيراً في قناة كبرى، ويعود ليعمل في الداخل ضمن شروط إنتاج مجحفة بشكل هائل.
بين العرض والآخر، تقدم المؤسسة حفلاً لتكريم تقليدي تحضره الوجوه نفسها، تكرم فيه أعمال المؤسسة بالدرجة الأولى وتعزف فيه أغنيات لا ترقى لتكون شارة عمل درامي. ليظل السؤال: هل جنت هذه المؤسسة الحديثة نسبياً على نفسها، حين أعادت إنتاج عقلية النظام ولكن هذه المرة بصيغة درامية؟!

دلالات

المساهمون