"منام" لـ دينا الوديدي... قطارٌ في طريقه إلى الكابوس

"منام" لـ دينا الوديدي... قطارٌ بطيءٌ في طريقه إلى الكابوس

14 أكتوبر 2018
تورّطت الوديدي في كتابة كلمات أغاني الألبوم (فيسبوك)
+ الخط -
صدر، أخيراً، ألبوم "منام"، للمغنية والملحّنة الشابة المصرية دينا الوديدي (1987)، وهو ثاني عمل لها بعد عدة سنين فصلت بينه وبين ألبومها الأول، وصاحبه جلستا تصوير احترافيتان حملتا ما يشبه الهوية الجديدة لها، بشكل محترف ومختلف عن صور الألبوم الأول الملونة والحفلات الحية؛ فحملت جواً قاتماً في قطار ومحطة واسم "منام". كل هذا أوحى بعمق جديد، ومشروع يختلف عن فكرة المنوعات الغنائية التي لا تجمعها سوى ألحان واختيارات المغنية الشابة من قبل، والتي قدمتها في ألبوم وما زالت تقدمها في حفلاتها الحية.

تصميم غلاف الألبوم جاء مباشراً وساذجاً للغاية؛ إذ يحمل رسماً لقطار أيضاً. ولكن إطلاق فكرة "تجربة" على الألبوم كان ذكياً، وكذلك طرحه على الإنترنت للاستماع والتحميل المجاني. فكرة أن يقترن الألبوم بالتجريب من الناحيتين تبدو فكرة ذكية تجعل احتمال قبوله أعلى لدى الشباب، الفئة الأكبر من جمهورها، إن لم تكن كله، والذين اعتادوا منها على نهج معين في تقديم الأغاني. وبالطبع، سيكون تقديم ألبوم إلكتروني بالكامل يحمل الطابع التجريبي مخاطرة كبيرة بفقدانه لوهلة، أو بالأحرى نفوره من التعرض للتجربة، كما تحمل كلمة تجربة اعتذاراً ضمنياً عما قد يبدر من خطأ.

العمق الذي توحي به فكرة الألبوم من حيث الجدة هو عمق زائف، وهي فكرة قديمة قِدم السامبلنغ نفسه، منذ اخترعت أجهزة التسجيل، خصوصاً الدقيقة التي تجعل من الممكن إعادة استخدام الأصوات ضمن تسجيلات موسيقية حول العالم، واستخدمتها برامج الهندسة والإنتاج الصوتي عبر أجهزة الميدي الوسيطة التي تمكّن من العزف بواسطة هذه الأصوات المسجلة، وكأنها آلات. قد يأتي عنصر الجدة الوحيد من كونه الألبوم الأول في مصر مثلاً المصنوع من أصوات القطار.

يحمل الألبوم اسم أول قطعة في العمل، وهو تراك صوتي من دون غناء، يبدو كأنه يهيئ المستمع إلى رحلة "منام"، سرعان ما يتحوّل إلى كابوس بسبب الجودة. أول العناصر اللافتة هو صوت دينا الوديدي، الذي يبدو على الحافة بين الرغبة في الغناء، والأداء، ولا يلمس أيهما بدقة، أو جودة كافية؛ فتبدو وكأنها تحاول محاكاة أداء الجيل العربي ذاته من المغنيات ممن فهمن أن الغناء فوق الموسيقى الإلكترونية هو خفض الصوت وادّعاء نعومته، ومط الحروف، بغضّ النظر عن اللغة ومدّها وتشويه الكلمة، وكأن المغني يعاني عيباً في النطق، ما يؤدي إلى اختفاء الغرض من الكلمة المنطوقة، فلا هي كلمة لها علاقة تناسقية بالإيقاع الظاهر أو الباطن، ولا هو أداء منغّم، ولا هو غناء.

من جهة أخرى، الكلمات تنم عن افتعال مستمر للحالة، أو للكتابة ذاتها، حتى إذا كان الغرض منها خلق حالة سوريالية، فلم ينجح الأمر. في أغنية "السما بتنقط"، تقول: "حلمت إن السما بتنقط كدب متلّج ع الرِجْلَيْنِ.. إنَّ أَلْهَوْا كَآن طايح ع الشِمال وع اليمين". تقول أيضاً: "الشجرة بتكدب وتفرع/ الوقت بيكدب ويسرع/ الشجرة بتكدب فتفرع". كلام رنان، يحاول أن يعطي الفكرة عمقاً ما، ويستدرج المستمع ويثير فضوله، لكنه أجوف، بلا أي معنى، حتى لو زعم أنه سوريالي.

في أغنية "بزوغ القمر"، لا يمكن تجاهل التشابه مع أغنية شهيرة للشاب مامي، هي au pays des merveilles، خصوصا مع تشابه الجمل اللحنية على اختلاف السلالم. وبالطبع، كان لا بد من وجود إيقاع القطار في الألبوم، لكنه لم يستطع إنقاذ العمل من تواضعه، الذي تعزّزه العثرات اللفظية الكثيرة في هذه الأغنية، والتغير غير المبرر والمفاجئ في آخرها. نُلاحظ أن نفس المغنية كان قصيراً، ما أدّى إلى تقطيع الكلمات، وارتكاب أخطاء كثيرة في نطقها. كما أن جودة التسجيل بدت كأنه صُنع منزلي.

توحي بعض أغاني الألبوم وكأنّ الفنانة تريد الغناء، تحت أي ظرف، عن موضوع ما، وكأنها مُجبرة على ذلك، ما أوقعها في الافتعال. يتجلّى هذا كثيراً في أغنية "صُداع". هناك حشو كثير للكلمات فيها: "أخش على غوغل أبص ألاقي أعراض الصداع بتقلي يا بنت عادي". تورّط المغنية في كلمة "غوغل". هل يجب استخدامها لتبدو الأغنية حداثية؟ حتى أنها لفظتها "غوغال". في الأغنية نفسها، وعلى المنوال نفسه، تتعثّر المغنية بأسماء الأدوية: "كفاية كتافلام باي بروفينيد كاتافاست/ كفاية كتافلام باي الكوفان كاتافاست".

إلى جانب ذلك، لم تكترث الوديدي كثيراً بجعل الأصوات المصاحبة تبدأ وتنتهي مع الصوت الأصلي، ربما كان هذا مقصوداً في مواضع معينة، ولكنه بدا كسياسة عامة من الإهمال بداعي التجريب على طول الألبوم من ناحية الغناء.

هذه الضحالة في كتابة الكلمات، كانت سقطة كبيرة في التجربة، خصوصاً أنه سبق لـ الوديدي أن تعاونت مع شعراء جيدين، مثل ميدو زهير ومصطفى إبراهيم ومايكل عادل. لكنها اختارت، هذه المرّة، أن تخوض تحدياً لم تتوفّق فيه، فكتبت كلماتها بنفسها، ما جعل الألبوم نموذجاً للنصوص الركيكة.

في أغنية "عايشة"، تعود الوديدي إلى شكل الأغنية مع الهارموني، من دون أن نغفل بعض النوتات الخارجة (النشاز)، التي لم يهتم أحد بها. إلى جانب ذلك، نعود إلى الكلمات وطريقة لفظها: "السجن ممكن يبقى مخدّراتي"؛ الكلمة الأخيرة تلفظها المغنية: مخضّراتي! إلى جانب بعض العبارات المبتورة التي أيضاً تحاول أن تبدو عميقة، مثل: "السجن مش بس الكبير".

موسيقياً، جاءت الجملة اللحنية والرد عليها متواضعين، وبدا كأنه تم إقحامهما لمجرد عمل فاصل بين دورتي تكرار الغناء ذاته بذات النشاز. الأغنية، موضوعاً ولحناً، حملت فكرة جيدة للغاية، لكنها لم تخدم العمل على كل مستوياته، وكان الأولى لو تم معاملتها على أنها تراك موسيقى إلكترونية يتخلله غناء، لكان هذا أخرجها بشكل غير الذي خرجت به ممزقة بين الأغنية والرغبة في المحافظة على ثيمة الألبوم.

أما "مش محتاجة"؛ فبدت كمحاولة جيدة بالفعل للتعبير، لكن توالت عثرات الكلام، كقولها "ومكانش عندي مانع، وبرضه مش بمانع". جملتان متتاليتان لا ضرورة لإحداهما سوى فخ تتمة الوزن، أو ملء الفراغات وحشوها بجمل مثل "غير عينك توديني؟". كما لا يمكن تجاهل الخنف، أو زيادة الصوت الأنفي للمغنية، رغم استخدامها مؤثرا هندسيا على الغناء له ذات الأثر بالفعل.

دلالات

المساهمون