"روداج" وجماليات البادية السورية السينمائية

"روداج" وجماليات البادية السورية السينمائية

14 أكتوبر 2018
جمالية الفيلم تكمن في البيئة الصحراوية السورية (Getty)
+ الخط -
في سنة 2010، قام المخرج السوري نضال الدبس بإخراج الفيلم الروائي الطويل "روداج"، من إنتاج شركة "ريل فيلم" الخاصة. وفي تلك السنة، قدمت الشركة الفيلم للرقابة السورية للحصول على الموافقة التي تتيح للفيلم الدخول إلى صالات العرض. كان ذلك قبل أن تندلع نيران الثورة في سورية بأشهر قليلة، ولكن حتى يومنا هذا، لا يزال مصير الفيلم مجهولاً، ولم تقم الرقابة السورية بالرد على الطلب، سواءً بالسلب أو الإيجاب.

بهذه الطريقة، أجاب الدبس عن الاستفسارات حول الأسباب التي جعلت فيلمه الأخير يبقى حبيس الأدراج لمدة 8 سنوات، وذلك في النقاش الذي تلى العرض الأول للفيلم في بيروت، يوم الخميس الماضي، في مسرح "مترو المدينة"، وأضاف إليه سبباً خاصاً به، وهو أن الفيلم يتحدث عن الجبن والخوف في المجتمع السوري، ولكن بعد الثورة الشعبية التي حدثت سنة 2011، بات الفيلم لا يعبّر عن المرحلة.

تدور أحداث الفيلم حول قصة حب تجمع بين شاب يعمل ميكانيكي سيارات (مهند قطيش)، وفتاة (قمر خلف) يعمل أخوها في أحد أجهزة الأمن السورية، وهو غير راضٍ عن هذه العلاقة، وذلك ما يجعل الشاب يعيش في خوف دائم. وفي أحد الأيام، يقوم الشاب بسرقة سيارة من الورشة التي يعمل فيها، بحجة أنه سيجري لها روداج (ترويض)، ويهرب بفتاته إلى الصحراء، وهناك تتعرض السيارة لحادث، فيترك الشاب حبيبته بسبب الخوف ويهرب؛ وبعد ذلك يعود ليبحث عنها، وتقوده الخيوط نحو رجل (سلوم حداد) يعيش معزولاً في منزل بجانب كازية مهجورة، يعتاش من عمله بالتهريب، ويهوى اصطياد الطيور وتحنيطها؛ وفي تلك البيئة الصحراوية يقوم الرجل "العم محمود" بترويض الشاب العاشق بعد أن يتشاركا تفاصيل الحياة اليومية القاسية.
ربما تبدو قصة الفيلم مألوفة ومكررة، إلا أن جمالية الفيلم تكمن بشكل خاص في تلك البيئة الصحراوية التي استطاع الدبس أن ينقلها عبر كاميرته، كما لم يفعل أي مخرج سوري من قبل. فجمالية الصحراء السورية وخصوصيتها تتجلى في الفيلم بشكل واضح، وتضفي على الفيلم طابعاً جمالياً خاصاً يعوض الخلل القائم في حبكة الفيلم المتوسطة، والأداء دون المتوسط للممثلين مهند قطيش وقمر خلف.
ورغم أن حكاية الفيلم تبدو مألوفة، إلا أن الفيلم لا ينتمي إلى نمط السينما الواقعية، بل هو يلعب في تلك المساحة الفاصلة ما بين الواقعية والسوريالية، ففي الكثير من اللقطات يقوم الدبس بتغريبنا عن الواقع من خلال رسم صور شعرية ذات دلالات رمزية، كتلك المشاهد والحوارات التي يصور بها الدبس النسور في سماء بادية الشام، وهي تتراقص في السماء، ويقرنها بمشاهد تعبيرية تصور مخيلة بطل الحكاية، حين ترقص البطلة رقصة النسر في الصحراء الخالية. ولكن ذلك لا يجعل الفيلم يبتعد بشكل فعلي عن النمط الواقعي، ولاسيما أن الممثل سلوم حداد يتمكن، من خلال أدائه المقنع، من جعل الشخصية الغرائبية في الفيلم تبدو وكأنها شخصية من لحم ودم، ويفرض على الفضاء السوريالي بعداً واقعياً من خلال تعامله البسيط والمتقن مع هذا الفضاء.

دلالات

المساهمون