المسار الطويل لإهانة العاملات الأجنبيات في الإعلام اللبناني

العنصرية المتجذرة: المسار الطويل لإهانة العاملات الأجنبيات في الإعلام اللبناني

06 يناير 2018
عاملات يتظاهرن لحقوقهنّ في بيروت (فرانس برس)
+ الخط -

لم تمرّ حلقة الاحتفال برأس السنة على شاشة "المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشونال" بسلاسة كما كان متوقّعاً لها. بعد يومين من عرض الحلقة، خرج إلى العلن فيديو مقتطع من الحلقة تظهر فيه ممثلة لبنانية تدعى أنطوانيت عقيقي وهي تلقي نكتة، تهين فيها العاملات الأجنبيات، فتصفهنّ بأنهن ساذجات وغبيّات، وذلك بناء على تجربتها مع عاملة كانت تساعدها في بيتها. انتهت النكتة، ضحك مقدّم الحلقة الإعلامي اللبناني الأشهر حالياً، هشام حداد، ضحكت الفرقة الموسيقية، ضحك الجمهور.



لم تكن الحلقة دخيلة على المضمون الإعلامي اللبناني، إذ أتت استكمالاً لطريق مزروع بحلقات وتعليقات وتقارير وبرامج تنضح عنصرية، تارة ضدّ اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، تارة ضدّ الخليجيين، وأكثر الأوقات ضدّ العاملات الأجنبيات.

وبالعودة إلى سنوات خلت، إلى فترة انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وبداية ما سمّي بمرحلة السلم وإعادة الإعمار. بدأ استقدام العاملات الأجنبيات إلى البلاد للعمل في الخدمة المنزلية، من سريلانكا بشكل شبه حصريّ.

لم يكن اللبنانيون يسمعون الكثير عن سوء معاملة هؤلاء، أو ربما كانوا يسمعون ويتجاهلون ذلك، على اعتبار أن السيدات السريلانكيات آتيات من "بلاد متخلفة ويحتجن إلى ضبط وتأديب". منذ تلك اللحظة اصطلح على تسمية كل العاملات الأجنبيات بـ"السريلانكيات" بغض النظر عن جنسيتهنّ. فمع مرور السنين، وتوافد الفيليبينيات والإثيوبيات والبنغلادشيات والنيباليات وغيرهن... للعمل في الخدمة المنزلية، بقي مصطلح "سريلانكية" مرادفاً للعاملة.

ثمّ منتصف التسعينيات أتت أغنية "هالبنت السريلنكية" للمونولوجيست اللبناني إيلي أيوب لتكرّس حقبة العنصرية ضدّ العاملات الأجنبيات، وتدخل الأعمال الفنية بشكل سطحي ووقح.

بعدها، بدأت العاملات يظهرن في أعمال درامية متفرقة، رغم أن أغلب العمّال/العاملات في المنازل في المسلسلات يحملن الجنسية اللبنانية وهو ما يناقض الواقع. إلا أن تكريس الصورة النمطية عن العاملات الأجنبيات "الساذجات" كان من خلال البرامج الكوميدية الساخرة التي ازدهرت مطلع الألفية الجديدة. "بس مات وطن"، "ما في متلو"، "كتير سلبي"... وغيرها من البرامج.

نذكر على سبيل المثال شخصية أغنيس التي تلعبها شابة فيليبينية في برنامج "ما في متلو" على شاشة MTV، التي تصوّرها بشكل ساذج يفتقد للذكاء، أو بشكل الرخيصة التي ترضى بأي هدية تافهة من حبيبها اللبناني المدمن على القمار، وصرف أمواله في "سباق الخيل".

في برنامج كوميدي ساخر هو "كتير سلبي" عام 2012 (على MTV انتقل لاحقاً إلى LBCI)، كانت منظمات المجتمع المدني تبدأ حراكها ضدّ التمييز العنصري تجاه العاملات الأجنبيات، فجاء "سكتش" بطلاه فادي شربل ولمى مرعلشي، ليصف العاملات بالسارقات ويشجّع على العنف ضدهن. الأمر نفسه ينسحب على أغلب البرامج الكوميدية، التي تفاوتت فيها نسبة العنصرية مع السنوات.



على جانب أكثر تطرفاً، في العام 2007 نشرت مجلة "فنية" لبنانية تصدرها الصحافية نضال الأحمدية، مادة فردتها على أكثر من صفحة بعنوان "لا تشتر العبد إلا والعصا معه"، بعدما ضربت عاملة أجنبية ابنة شقيقتها الطفلة. وتضمّن التقرير المنشور سلسلة شتائم وإهانات لـ"العبيد" (العاملات الأفريقيات). لاقت الأحمدية ومجلتها ترحيباً واسعاً من لبنانيات ولبنانيين رأوا أنّه "يجب وضع حدّ لتفلّت العاملات الأجنبيات".

أما برامج الـ"توك شو" فغالبا ما تستقبل وجهتَي النظر، فنرى عاملات أجنبيات يتحدّثن عن العنف الذي تعرضن له، مقابلهنّ ربات منازل يهاجمن العاملات اللواتي يجب "ضبطهنّ". يفتح الهواء لسيدات يتّهمن العاملات بالفجور والسرقة والقتل. ويعمّمن تجارب خاصة لتجاوزات وجرائم ارتكبتها عاملات (وهي موجودة طبعاً)، على كل وافدة إلى العمل المنزلي في لبنان.



في العام 2012، وفي الثامن من مارس/آذار أي يوم المرأة العالمي، نشرت المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشونال فيديو مصوّرا بكاميرا هاتف، لشابين لبنانيين يضربان ويسحلان عاملة أجنبية في الطريق، ثم يدفعانها غصباً لدخول السيارة. كانت ربما المرة الأولى (أو من المرّات الأولى) التي يشاهد فيها اللبنانيون تعنيف عاملة على الهواء.

أصيب المشاهدون بذهول، وكان التعاطف كبيراً مع العاملة. انتهى الأمر هنا، فمع ثاني تقرير عن انتحار عاملة أجنبية في لبنان بسبب التعنيف، بدأت الاتصالات ترد إلى المحطة من قبل لبنانيات محتجات على الهامش الكبير الذي تمنحه القناة لقضايا العاملات الأجنبيات، و"تشويه صورة السيدة اللبنانية".

هذا النفس النافر من كل دفاع عن حقوق العاملات، جعل ضيوفا كثيرين يظهرون على الشاشات، ينطقون بتعبيرات عنصرية من دون أيّ رادع أو احتجاج. نذكر مثلاً ما حصل على قناة MTV قبل أكثر من 4 سنوات، عندما أطل أحد الضيوف ونعت الأفارقة بالـ"عبيد" ومن دون أي حرج.





لم تكن نكتة أنطوانيت عقيقي دخيلة على المشهد. أنطوانيت عقيقي نفسها لم تبتكر العنصرية، هي ابنة هذه المدرسة. مدرسة الكوميديا اللبنانية القائمة على السخرية السياسية (السطحية والمكررة بأغلبها) والعنصرية تجاه كل "غريب": العاملات الأجنبيات، اللاجئون العرب، المثليون... كوميديا لا تضحك، بل هي أقرب إلى المأساة. مأساة في عقول صنّاع السخرية والضحكة في لبنان.




المساهمون