"مجدرة حمرا"... 3 نساء وقصص كثيرة

"مجدرة حمرا"... 3 نساء وقصص كثيرة

27 يناير 2018
تلعب ريحان 3 شخصيات (كوربس/Getty)
+ الخط -
ينشط الحس المونودرامي لدى الكاتب المسرحي اللبناني يحيى جابر، في مسرحية جديدة تحمل عنوان "مجدرة حمرا"، بدأ عرضها الأربعاء الماضي على مسرح تياترو فردان، في بيروت.

ثلاثة وجوه تحاصر الممثلة اللبنانية أنجو ريحان ويحيى جابر معاً. رحلة إلى الجنوب اللبناني، بأطيافه وعاداته ويوميات تحاصرنا: العنف إلى حدود السخرية، والفرح إلى حدود الخوف.

يتمرس يحيى جابر في أعماله بطريقة مُدهشة، ينقل لنا ذاكرة نعيشها، تحيط بنا، تبكينا على الرغم من الوجع والحرب، والحرمان. باختصار شديد، محاولة جديدة لصاحب "بيروت طريق الجديدة" في إحياء صورة ونمط مونودرامي شيق، مضحك إلى حد الثمالة، مبك إلى حدود الأمل، والخروج عبر الخشبة للحديث عن كل شيء من دون تحفظ، ومزج فن "الحكواتي" القديم بما هو حديث ومؤثر.

يحمل جابر جنوب لبنان، ومدينة النبطية تحديداً، إلى المسرح الصغير في قلب بيروت: ديكور بسيط، وبطلة واحدة، لمدة ساعة ونصف الساعة، يتعرى بتلقائية وبديهية مضحكة، يستعرض مجتمعاً يعيش التناقضات الطائفية، والعادات والأوهام، حكاية ثلاث نساء، يعتصرن تجاربهن الخاصة، في جلسة منزلية تكشف الكثير عن واقع يأسره التسليم والرضى، يتخبط بين سعادة مؤقتة ووجع، واقع وطفولة معذبة، النسوة الثلاث عانين الأمرين جراء سلطة الأهل، إلى الحروب، وتأثير البيئة والأحزاب، والقمع الذي يتحول مع الوقت إلى عادة تسكننا، لا يعود للبكاء نفع فيها، بل سلمن جدلاً بأن العنف هو الدواء الوحيد أحياناً.

تلعب مريم، (الشخصية الأولى لريحان)، دور "كاتبة" أرادت أن تأخذ قسطاً من الراحة، تعود من باريس إلى بيروت، وتمنح نفسها فرصة أخرى لإعادة ترتيب أوراقها. لا تحب مريم الإنجاب وتفضل عليه الحب، تغلبت بعد سنوات على زواج انتهى بالتوافق، وترفض محاولة طليقها من باريس للعودة إليها مجدداً، يريد ذلك لأنها أخبرته بعلاقتها مع زين، الحبيب الأول المقيم في النبطية، "زين" تزوج وأنجب ثلاثة أولاد، وانتسب لصفوف المقاومة.

"فطم"، هي المرأة التي توفي زوجها وهي في الثالثة والثلاثين، تقرر بعد عشر سنوات من فقدانها الزوج أن تقترن برجل آخر، "أبو خالد" البيروتي، لكنها تقع فريسة استغلال أبنائها الثلاثة لها، ومنعها من إتمام هذا الزواج. تثور "فطم" وتضع كامل أنوثتها أمامنا على المسرح، كيف لا وهي الآن في الثالثة والأربعين، ولا زال بإمكانها الإنجاب، تسأل ابنتها التي تعارض زواجها: "ما المانع في أن أتزوج من رجل أحبه؟"، لكنها لا تجد من يسمع ولا إجابة شافية.

لعل قصة سعاد، الوجه الثالث لأنجو ريحان هي "العصب" الأقوى في "مجدرة حمرا". القصة باختصار، تحاكي يوميات امرأة معذبة رفض أهلها زواجها من حبيبها الأول، وفضلوا عليه "اللبناني" المغترب الذي جاء يقطف ثمرة شبابها. تعيش سعاد معه صراعاً من العنف، تنفذ نصائح والدتها الجاهلة، حتى تتأقلم مع تعنيف "خضر"، يصبح الضرب وجبة كما هو حال تحضير طبق "المجدرة".

تتنفس أنجو ريحان 3 "كاراكتيرات" صعبة، لكنها لا تستسلم، ولا تقرب الأخطاء، تتماهى بزيّ وحركات مقنعة للغاية، وتأسر المتابع مدة تزيد عن الساعة، تنبش في خفايا تلك الشخصيات ما سكنها، كونها ويحيى جابر ابني البيئة ذاتها التي تنقلها "مجدرة حمرا"، وتبرهن أن للمسرح مريديه ومشهداً يستحق المتابعة.


المساهمون