25 يناير... فشل السينما في التعاطي مع الحدث

25 يناير... فشل السينما في التعاطي مع الحدث

25 يناير 2018
منة شلبي في فيلم "نوارة" (فيسبوك)
+ الخط -
منتصف عام 2011، وفي ذروة الشعور الثوري الذي امتلأ به الشارع المصري، سُئِل المخرج الكبير داوود عبد السيد عما إذا كان لديه نية في صنع فيلم عن "ثورة يناير"، وأجاب وقتها أن الحدث أكبر من أن يتم استيعابه في أشهر قليلة. وأشار إلى أن المتابعة التلفزيونية المحلية والعالمية للثورة "لحظة بلحظة" تجعل من محاولة "التأريخ السينمائي" شيئاً بلا معنى، وأن دور السينما سيكون التحليل المتأني والنظر بصورة أوسع بعد احتواء الحدث. 

كلمات عبد السيد جاءت في لحظة كانت تشهد بالفعل بداية تصوير عدد من الأعمال الفنية التي تتناول الثورة، وما حدث فيها، وبعد 7 سنوات كاملة من كل شيء.. يظهر بشكل واضح أن السينما فشلت بالفعل في التعامل مع الحدث الأضخم في التاريخ المصري المعاصر، وأن محاولة "المجاراة" لم تثمر عن شيء حقيقي أو قيّم فعلاً حتى الآن.

أفلام الانفعال اللحظي
أغلب الأفلام التي أنتجت عن الثورة المصرية تندرج تحت بند "الانفعال اللحظي بالحدث". فالصورة الواسعة لميدان التحرير وهو ممتلئ بالناس، ومساحة الملحمة التي سمحت (في يناير البعيد هذا) لكل شخص أن يمتلك "حكايته" و"روايته" الشخصية عما حدث فعلاً، دفعت العديد من المخرجين وراء الانجراف إلى مشروع صنع "فيلم عن الثورة".

أولى تلك المحاولات كانت مع فيلم "18 يوم"؛ 10 أفلام قصيرة لـ10 مخرجين مصريين من أجيال مختلفة، يقدم كل منهم سرديته تجاه الثورة. صورت الأفلام في ظرف 3 أشهر فقط (بين فبراير/شباط وأبريل/نيسان 2011) من أجل الاستعداد للعرض في دورة مهرجان "كان" حينها. والصدفة وحدها جعلت الفيلم لا يعرض في مصر، ويصبح متاحاً على الإنترنت ويشاهده الناس في أواخر عام 2017، ليظهر جلياً أن الفورة العاطفية والانفعال اللحظي أنتجت شيئاً بالغ السطحية في أغلب الأفلام الـ10، وأن محاولة مقاربة "الحقيقة الملحمية" التي عايشناها من دون استيعابها وإعادة إنتاجها بشكل فني.

الأمر نفسه ينطبق على فيلم "بعد الموقعة" للمخرج يسري نصر الله، الذي بدأ تصويره في منتصف عام 2011، وعرض في المسابقة الرسمية لمهرجان "كان" عام 2012. في العمل أراد نصر الله ــ نظرياً ــ أن يتفهم ويستوعب المهمشين الذين كانوا ضد الثورة وشاركوا في موقعة الجمل. ولكن بعد انقضاء سنوات عدة ، وبعيداً حتى عن المستوى الفني الضعيف للفيلم، تبدو رؤية العمل خيالية ومعلبة إلى أبعد حد؛ كأنه يتحدث عن عالم مواز غير موجود وادعاء في واقع لم يحدث.

جيل جديد وانغماس على السطح
المخرجان إبراهيم البطوط وأحمد عبد الله ينتميان كلاهما لجيل واحد، أخرج الأول فيلم "الشتا اللي فات" والثاني "فرش وغطا"، وكلاهما مختلف جداً. لكن يظل ما يجمعهما أن الانغماس العاطفي الشديد لأصحابهما في الحدث الكبير منعهما من النفاذ أبعد من السطح.

في "الشتا اللي فات" يقدم البطوط حكاية الثورة بكلاسيكية ومن خلال أشخاص نمطيين (شخص خائف – مذيعة تلفزيون – ضابط أمن دولة)، ومتابعة تأثير ما حدث في يناير/كانون الثاني 2011 عليهم، وكيف تغير كل منهم بطريقته، وصولاً إلى لحظة تحرر نهائية مع نزول البطل لميدان التحرير، وصور الناس على كوبري قصر النيل، في شكل تقليدي جداً لتناول شخصيات في لحظة الثورة، مع نهاية مُغلقة تجعل الفيلم ــ الآن ــ مجافياً للواقع.

أما "فرش وغطا" فيقدم شكلاً تجريبياً في حكايته، ومحاولة غريبة لأن يصنع فيلماً صامتاً ــ أو شبة صامت ــ عن سجين هارب من السجون بعد 28 يناير/كانون الثاني، وهذا التناقض الشديد بين "الشكل الفني" و"اللحظة التي يتناولها الفيلم" نفسه جعلت النتيجة النهائية هَجينة ومشوهة إلى أبعد حد، خصوصاً مع فواصل خطابية وتوثيقية مباشرة يملأ بها عبد الله فيلمه، كأنه يشعر أن هذا هو "إلحاح اللحظة".

بعد زوال الملحمة
من اللافت والمعبر جداً أنه بعد مرور الجذوة الثورية، وبداية الجانب المظلم والأكثر قتامة والأقل ملحمية في عصر الثورة بعد عام 2013؛ الذي شهد تظاهرات 30 يونيو/حزيران وما تلاها تحديداً المذبحة المعربة للمعتصمين في ميداني النهضة ورابعة العدوية، حتى وصول عبد الفتاح السيسي إلى رأس السلطة في منتصف 2014، لم يعد لدى السينمائيين المصريين نفس الرغبة في صنع أفلام عن الثورة؛ فالجذوة العاطفية والشعور الثوري الجارف قد خَمَد أمام وطأة وثقل الواقع.

والفيلم الوحيد الذي أنتج بعدها ويدور على هامش الثورة وفي لحظتها الزمنية كان "نوارة" للمخرجة هالة خليل عام 2016، حيث حكاية درامية عن الفقراء الذين ظنوا أن حياتهم ستكون أفضل بعد الثورة وبعد إعادة الأموال المنهوبة في عصر المخلوع محمد حسني مبارك قبل أن تنتهي أحلامهم إلى السراب. ومجرد وضع هذا الفيلم (رغم عيوبه الفنية والدرامية الكبرى) كتعامل تاريخي في مقابل الأفلام التي أنتجت بعد الثورة مباشرة وامتلأت بالتصورات الوردية الناتجة عن الشعور الملحمي باللحظة، يجعلنا ندرك السبب في صدق مقولة داوود عبد السيد عن أن مرور الزمن مهم لاستيعاب ما حدث وهضمه وتقديمه في فن حقيقي وليس فقط مجاراته.



المساهمون