نزل فينان: عزلة بيئية أردنية على ضوء شمعة

نزل فينان: عزلة بيئية أردنية على ضوء شمعة

18 يناير 2018
زيارة فينان الأردنية مغامرة مع الطبيعة (نادر الداود)
+ الخط -
تنهمك نورة شتيوي خلال ساعات النهار في صناعة شمع يضيء حتى الذوبان الليل الحالك لنزل فينان البيئي. خلال سنوات عملها التسع أنتجت البدوية التي امتهنت صناعة الشموع بعد أن هجرت حياة الرعي مئات آلاف الشمعات، كلها فنيت في سبيل تبديد عتمة نزلٍ يقاوم خطوط الكهرباء، ويعتمد بشكل محدودٍ جداً على الطاقة الشمسية. 

عندما يهبط الليل، ويسدل وحشته على المكان المعزول عن العالم وخطط التنمية، وتضيع خيم البدو المستوطنين في الوادي، أو تتراءى على خجل بفعل الفوانيس الخافتة، يتلألأ النزل، وتكشف أضواء الشموع المنبعثة من مدخله ومرافقه مفاتن سحرٍ يؤمن للنزلاء/ السائحين تجربة خيالية مفعمة بالرومانسية.

أثناء ذلك تكون نورة قد خلدت للراحة في خيمتها المعتمة أو شبه المعتمة استعداداً ليومِ عملٍ جديد، تعوض خلاله ما ذاب من الشمع.

افتتح نزل فينان عام 2005 في الجهة الجنوبية الغربية لمحمية ضانا (جنوب المملكة)، التي جرى إنشاؤها في العام 1989 وتتفرد للآن بوصفها المحمية الطبيعة " الأكبر في الأردن".
يستقر النزل المكون من 26 غرفة تستوعب 60 نزيلاً في الليلة، في قاع وادي فينان، الذي تبين الدلائل الأثرية عن استيطان بشري يعود إلى 12 ألف سنة، كما يشرح الدليل السياحي سليمان العمارين. ويقول "قبل 6 آلاف سنة تشكلت في فينان حضارة مزدهرة تقوم على تنجيم النحاس (..) بقايا المناجم لا تزال موجودة للآن وننظم جولات سياحية إليها".

لكن الوادي تتجاهله اليوم عجلة الحضارة، ويحاط النزل بجبال قاسية، ويبعد قرابة 8 كيلومترات عن أقرب طريق معبد، ليغدو مجرد الوصول عبر الطريق الوعرة مغامرة مثيرة.
يتناوب 40 سائقاً من المجتمع المحلي يمتلكون سيارات دفع رباعي على نقل الزوار من مركز الاستقبال إلى موقع النزل، مقابل أجور تمثل الدخل الوحيد لهم، فيما يعمل داخل النزل 22 موظفاً جميعهم من السكان المحليين.

بقي النزل يدار من قبل الجمعية الملكية لحماية الطبيعية، حتى العام 2010 حين انتقلت إدارته إلى شركة الفنادق البيئية، في "خطوة تهدف إلى تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص"، كما يقول مشرف العلاقات العامة في الجمعية عدي العمايرة.

ويبين العمايرة أن "إدارة النزل من قبل الشركة تلزمها بالحفاظ عليه تحت الإطار لعمل الجمعية والهدف الأساسي من إنشائه كمقصد للسياحة البيئية، يوفر برامج اقتصادية تنموية يستفيد منها المجتمع المحلي".


(نادر الداود)


ويحدد مدير شركة الفنادق البيئية، نبيل ترزي، المبادئ الأربعة المعتمدة في تشغيل النزل، وأولها: إعطاء الزوار خبرات بدوية مرتبطة بالمغامرة وثقافة المجتمع المحلي، فيعايشون تجربة إعداد القهوة العربية، ورعي الغنم، وصناعة خبز البدوي، المعروف باسم "رغيف الراعي"، والتعرف إلى صناعة الكحل.

والمبدأ الثاني يتمثل بالمساهمة في حماية الطبيعة من خلال المحافظة على الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض داخل المحمية ، ويتقاطع مع المبدأ الثالث القائم على التصرف بأقل أثر بيئي. يشرح الترزي "تستخدم الشموع في إضاءة النزل، فيما تستخدم الطاقة الشمسية على نطاق محدود في الحمامات، وتشغيل الأجهزة القليلة، والحصول على الماء الساخن".
يتابع "ويستخدم الفخار للماء، وبذلك نستغني عن 10 آلاف عبوة بلاستيكية سنوياً، الطعام كله نباتي، ومخلفات الطعام تستخدم كسماد عضوي في الزراعة، يتم الاعتماد على الجفت للتدفئة (..) نحن نغير تكفير الناس تجاه البيئة".

ويقوم المبدأ الرابع للتشغيل على إفادة المجتمع المحلي. ويعدد الترزي أوجه استفادة المجتمع المحلي، فإضافة للمشتغلين في نقل الزوار، والموظفين، تتحقق الاستفادة بشراء احتياجات النزل مما يتوفر من حاجيات لدى المجتمع المحلي. كذلك تستفيد 17 عائلة من خلال تناوبها على عرض الخبرات البدوية للزوار، مقابل عائد مالي، كما يبين الترزي.

ليس أمام المجتمع المحلي خيارات عمل غير النزل، والبرامج التي ينفذها للزوار، الأمر الذي يجعلهم يستمرون رغم تذمر بعضهم مما يصفونه بـ "الاستغلال"، سواء على صعيد الرواتب للعاملين، أو العائد المالي للمنخرطين في عرض التجارب البدوية. لكن الترزي يقول إن "55 بالمائة من الدخل السياحي خلال العام يذهب للمجتمع المحلي (..) فينان يفيد 80 عائلة بمعدل 400 فرد".


(نادر الداود)


وحصد النزل العديد من الجوائز العالمية، فحل كأحد أفضل المشاريع في محاربة الفقر في جوائز Responsible tourism Awards عام 2012، وحصد لقب أفضل مشروع يجمع بين حماية الطبيعة وتنمية المجتمعات المحلية" حسب لائحة Green Travel List لعام 2012 والمقدمة من صحيفة "ذا غارديان" البريطانية.

كما حل بين أفضل 25 نزلاً بيئيّاً في العالم والمقدم من مجلة National Geographic Traveler Magazine عام 2013، وجائزة "Hall of fame" من موقع Tripadvisor لحصول النزل لمدة خمس سنوات متتالية من 2011 وحتى 2015 على شهادة التميز certificates of Excellence، وغيرها من الجوائز.

وتنطوي زيارة فينان على مغامرة كبيرة، تتجاوز دهشة الوصول، ورومانسية الشموع، والهدوء المطبق على المكان، وجمال الطبيعة وتنوعها، والتعرف على خبرات المجتمعات المحلية، لملامسة مشقة العيش في غياب التنمية.



(نادر الداود)



المساهمون