سكن القوارب: اللندنيون يهربون من اليابسة إلى الماء

سكن القوارب: اللندنيون يهربون من اليابسة إلى الماء

22 سبتمبر 2017
باتت القنوات المائية في لندن تزدحم بالقوارب (دان كيتوود/Getty)
+ الخط -
"ما أجمل أن تخرج من منزل لتجد نفسك في مكان مختلف، الحياة على متنه مليئة بالإثارة والتحدي"، هكذا وصف الشاب البريطاني كريس ستيفنس حياته داخل قارب ضيق ومستطيل، أو ما يعرف بـ"Narow boat نارو بووت"، إذ لا يتخطى عرضه المترين وطوله الـ11 متراً.

قد يبدو هذا القارب غير مناسب للعيش في نظر البعض أو هو ضرب من الجنون، لضيق مساحته، وخصوصاً مع وجود الأثاث الذي لا يترك مجالاً للتحرك بحرية.

ففي قارب ستيفنس على سبيل المثال، هناك بعض الأثاث، وجهاز كمبيوتر متصل بطابعة إلى جانب تلفزيون صغير ومطبخ صغير مجهّز بكل المستلزمات الضرورية، مع حائط يفصله عن سرير صغير وأمامه خِزانة ملابس، ومرحاض. كل ذاك مرصوص في ممر تزينه حمرة موقد خشبي جميل في آخره، دفئه يجعلك تحس ببراحة المكان.


(العربي الجديد)

يتنقل ستيفنس مع زوجته إيملي عبر قنوات نهر التايمز في العاصمة لندن، منذ حوالى أربع سنوات. كريس وإيميلي ليسا إلا نموذجاً للتدفق الهائل على سكن القوارب من شباب لندن من ذوي الدخل المحدود، الفارين من جنون ارتفاع الإيجارات وأسعار المساكن فوق اليابسة، ليختاروا بديلاً اقتصادياً أسهل.

يتحدث الزوجان لـ"العربي الجديد"، عن تجربتهما في العيش والتنقل بالقارب، فيؤكدان أن التجربة "مكّنتهما من الاستمتاع بروح الإثارة والتحدي". ويضيفان أنهما لا يوفران المال فحسب، بل هما في رحلة استكشاف دائمة ونمط حياة جديد.

فرخصة الطواف الدائم أو "Golden permit" كلفتها 1100 جنيه إسترليني سنوياً (نحو 1500 دولار)، أما القارب فقد اشترياه بـ35 ألف جنيه استرليني، وهو مبلغ ضئيل جداً قياساً بأسعار المساكن في لندن.


(العربي الجديد)

ويريان أن للقارب ميزة أفضل من الشقة، إذ يمكّنهما من العيش في مناطق يحسدهما عليها الكثير من سكان لندن، مثل سوق برودواي، ومنطقة إنجل، وكامدن تاون، وليتل فينس، التي تعد من أكثر مناطق لندن رقياً وحداثة، وأعلاها سعراً، وصولاً إلى مدينة أوكسفور أحياناً. ويشيران إلى ميزة أخرى، إذ بإمكانهما التعرف إلى أصدقاء جدد في كل رحلة.

حماسة هذا الثنائي لم تكن أقل من حماسة ماريانا ساريفيا، موظفة أشهر شركة شوكولا في منطقة براندفورد، والتي تعيش مع زوجها الموسيقار في قارب برخصة "طواف دائم"، في قناة كراند منذ 3 سنوات.

تستهل حديثها بأن ساكني القوارب يمثلون جالية دينها وعرقها ولغتها النهر ومياهه. ولا تبدي انزعاجاً من صوت صياح الجيران على مقربة من حائط قاربهما، إذ استقر زورقان بمحاذاة زورقهما حتى بديا متلاصقين بسبب قلة الأماكن المخصصة للرسو، بل تصف الأمر بأنه "رفقة جديدة".


(العربي الجديد)

وفي حال انتقل سكان جدد مزعجون لسبب أو لآخر، تقول مارينا مبتسمة، فإنهما تعودا على التعايش بشكل طبيعي مع كل المعطيات، كالبرد أحياناً وسماع خطوات الفئران والثعالب فوق سطح القارب، أو زائر فاقد للوعي بسبب الكحول.

ويقول مارك: "أعانني هذا الزورق في حياتي كثيراً، فلكي تسدد ثمن الإيجار والحياة في لندن، عليك أن تكدّ في العمل، لكن الآن، فإن مصاريفنا الشهرية معاً لا تتعدى 900 جنيه إسترليني. وبعد تركيب ألواح الطاقة الشمسية على سطح القارب، بكلفة 600 جنيه إسترليني ولمدة 15 عاماً، أصبحنا نعتمد على الطاقة الشمسية للإنارة، وشحن هواتفنا المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر، وتشغيل مضخة المياه، ما يقلل من تلك المصاريف".

غير أن لآلان وايلدمان رأياً مختلفاً. فالرجل المتقاعد، والذي يعيش مع رفيقته في قارب متنقل منذ 15 عاماً، يقول "من السهل أن تعجب بالحياة في هذه القوارب، لكنك لا تدرك مدى صعوبة الحياة داخلها، فأكثر التحديات للعيش في القارب تراوح بين انخفاض درجة الحرارة، إلى المياه التي قد تغمر القارب بسبب هطول الأمطار، إضافة إلى صعوبة التنقل بين الازدحام بسبب اتجاه الكثيرين للسكن فوق سطح الماء".

وبحسب هيئة إدارة الأنهار والقنوات في إنكلترا وويلز، ("The Canal & River Trsut"، " سي آر تي")، المسؤولة عن إدارة القنوات المائية والأنهار وكذا إصدار التراخيص وحفظ النظام في الممرات المائية في البلاد، فإن أعداد المراكب المرخصة في لندن ارتفعت 20 في المائة منذ العام 2012، فيما ارتفع العدد الإجمالي للقوارب من 2326 في عام 2012 إلى 4001 في 2017، وهو ما يزيد من الازدحام داخل الماء، ما يجبر المسؤولين عن القناة والنهر على منع بعض القوارب من الرسو أحياناً.

وتعطي الإدارة نوعين من الرخص لأصحاب المراكب: رخصة "موقف دائم"، والتي تبلغ كلفتها 1100 جنيه إسترليني على الأقل سنوياً في المواقع المشهورة مثل ليتل فينس، ورخصة "طواف دائم"، بكلفة أقل، تلزم أصحاب المركب بتغيير موقعه كل 14 يوماً ولهم حرية اختيار الموقع المناسب. ويشمل هذا المبلغ التأمين السنوي، وترخيص القارب.

ويعود تاريخ هذه القوارب في بريطانيا إلى عام 1755، إذ استخدمت إبان الثورة الصناعية لنقل البضائع، لكن مع تطور وسائل النقل، انتفت الحاجة إليها، لتتحول إلى وجهة الباحثين عن سكن رخيص، هرباً من الغلاء الطارد على اليابسة اللندنية.


دلالات

المساهمون