بيروت تحتفل بالسينما: مسابقتان وبرامج مختلفة وتحية لعباس كياروستامي

بيروت تحتفل بالسينما: مسابقتان وبرامج مختلفة وتحية لعباس كياروستامي

21 سبتمبر 2017
من "لا كورديلّيرا" لسانتياغو ميتري (يوتيوب)
+ الخط -
مضت 20 عاماً على إطلاق "مهرجان بيروت الدولي للسينما". مسار تاريخي مرتبط بالمدينة التي يحمل المهرجان اسمها، وبالبلد الذي يُقام المهرجان فيه. مسار مرتبك، لكنه ثابتٌ في تنظيم دورات سنوية، توقّفت 3 مرات لظروف تتراوح بين الماليّ والأمنيّ، في لحظات صعبة ومصيرية. المثابرة إحدى سماته. تحدّي كلّ شيء سمة أخرى. تخبّط يقع فيه أعواماً عديدة، قبل أن يستعيد حماسته، ويبلور تواصلاً أمتن وأعمق بينه وبين جمهور يرافقه في سيرته تلك.
والمهرجان، الذي يحتفل بدورته الـ 17 بين 4 و12 أكتوبر/تشرين الأول 2017، يعود إلى قلب المدينة التي يحمل اسمها، بعد أن أقام دورات مختلفة في إحدى ضواحي العاصمة. في صالتي سينما "متروبوليس" (الأشرفية)، التابعتين لـ "جمعية متروبوليس" المعنية بالسينما المختلفة، تُقام الدورة الجديدة، التي تُفتتح بـ "لا كورديلّيرا" للأرجنتيني سانتياغو ميتري، الذي سيحضر الافتتاح رفقة زوجته، الممثلة دولوريس فونزي (تؤدّي فيه دوراً أساسياً).

خطوة كهذه تتيح لـ "مهرجان بيروت الدولي للسينما" إمكانية استعادة علاقة مطلوبة وأساسية بينه وبين المكان وجمهوره. فـ"متروبوليس" حيّز أساسيّ لفعلٍ سينمائيّ مختلف، يجمع عروضاً لأفلام غير تجارية، باحتفالات سينمائية تتراوح بين أسابيع تكريمية وتظاهرات ومهرجانات. والمهرجان البيروتي الدولي يُؤكّد أن للسينما أولوية، وأن الاختبارات الماضية قادرةٌ على منحه طاقة إيجابية تدفعه إلى الأمام، ولو بهدوء وتنبّه إلى نوعية الأفلام المختارة، وقدراتها على تلبية أمزجة ورغبات، تواكب الحديث، وتُكرِّم كباراً، وتدعو إلى التمعّن في أحوال الراهن، المتمثّلة بتفشّي الإرهاب في العالم، وبشيوع التطرّف الديني، وبتنامي مسألة اللاجئين، وبازدياد الحاجة إلى متابعة سؤال الحقوق المشروعة للفئات المهمّشة.

عناوين كهذه تختصر المساحة المتاحة للأفلام المُشاركة في مسابقتي المهرجان للأفلام الوثائقية والقصيرة، كما في البرامج المرافقة لهما. لكن، قبل هذا كلّه، استعادت كوليت نوفل، مديرة المهرجان، بعض اللمحات المتعلّقة بتاريخ المهرجان، قائلةً ـ في مؤتمر صحافي عقدته ظهر الأربعاء، 20 سبتمبر/ أيلول 2017 ـ إن "ولادة المهرجان عام 1997 متزامنة ومرحلة إعادة الإعمار، بعد نهاية الحرب الأهلية، انطلاقاً من الرغبة في وضع لبنان على خريطة السينما". أضافت نوفل، المُشارِكة في تأسيسه قبل استلام زمام أموره كلّها، أن المهرجان "أصبح، بفضل فسحة حرية التعبير المتاحة في لبنان، المنصة المثلى لصانعي الأفلام، لإيصال أفكارهم".

اختيار "لا كورديلّيرا" منبثقٌ من حاجة إلى التعبير عن توجّه الدورة الـ 17، التي تُختَتَم بفيلم التحريك "فانسانت المحبوب"، للبريطاني هيو فلكمان والبولندية دوروتا كوبييلا. توجّه يريد المساهمة في كشف حقائق تُعانيها دول وشعوب ومجتمعات، تتشابه بخضوعها لسطوة الفساد، السياسي والمالي والاقتصادي، في بلادٍ عديدة. فالعمل الأخير لسانتياغو ميتري يتناول مقتطفات من سيرة رئيس أرجنتيني يُدعى هرنان بلانكو (ريكاردو دارن)، لن يضع أي حدود بين الشخصي والمهني والرئاسي والسياسي والعائلي، ما يؤدّي إلى تداخل المصالح وتضارب الأعمال، فتنكشف فضائح الفساد المتنوّع. أما فيلم الختام، فيستعيد الأيام الأخيرة من حياة الرسّام فانسانت فان غوغ قبل انتحاره.

وإذْ تنفتح "البانوراما الدولية"، عبر 14 فيلماً ستُعرض خلال أسبوع كامل، على حكايات أفراد ومسائل اجتماعية وتحوّلات مجتمعات ومسارات؛ فإن مسابقة الأفلام الوثائقية تكتفي بـ 5 أفلام، بينها عملان لبنانيان، هما: "فن مش فن" لبيتر موسى (الفن المعاصر من خلال صُور ملتقطة من معارض فنية عديدة مُقامة في الإمارات العربية المتحدة)، وWater On Sand للّبنانية الكندية نتالي عطا الله (لبنانيون في بلاد المهجر). أما التركي ريان توفي، فيختار الحرب في "لا مكان للدموع"، متناولاً منطقة "كوباني" وناسها الراغبين في العودة إليها؛ بينما الفرنسية ميريام راي، تنقل ـ في "فقط صوتي" ـ حكايات 4 نساء لن تكشف أسماءهنّ الحقيقية، لأنهنّ يتوغّلن في وقائع العيش في قسوة الانسلاخ عن أوطانهنّ، فيكشفن (ويكتشفن أيضاً في الوقت نفسه) مشتركات مختلفة بينهنّ وبين قصصهنّ تلك. والوثائقي الأخير، "في ظلال البلّوط" للإيرانيّ مهدي نور محمد، يختصّ بعالم السنجاب الإيرانيّ، راوياً مدى تعلّقه بشجرة البلوط، والمخاطر التي تُهدِّده.

في المسابقة القصيرة، هناك 18 فيلماً؛ بينما يُقدّم برنامج "جبهة الرفض" 10 أفلام، منها "دبليو المبجّل" لباربت شرودر (يُعرض بالتعاون مع السفارة السويسرية في بيروت)، الذي يكشف حجم الكراهية والمشاعر العنصرية ضد الإسلام والمسلمين في بورما، الذي يؤدّي إلى صراعات عنيفة في تلك البقاع الجغرافية، التي يُقيم فيها أناسٌ مؤمنون بالسلام الذاتي والتسامح. ولعل The Sweet Seashore لعزيز تبيانيان (إيراني مقيم في الولايات المتحدّة الأميركية)، يستكمل شيئاً من أسئلة العلاقات الصدامية بين أديان ومعتقدات، من خلال سرده أحوال 3 طلاب جامعيين (مسلم وبهائيّ ومسيحي)، يحاولون التصدّي للعصبيات الدينية، التي تكاد تغلبهم لشدّة سطوتها في عالم اليوم. أما "الساعة الخامسة" للعراقي أيمن الشطري، فيرسم معالم انتحاريّ يسعى إلى تنفيذ عملية إرهابية ضد مجموعات مدنية، قبل أن يُعيد النظر في الثقافة الدموية التي تلقّنها أعواماً طويلة.

هذه نماذج من أفلام الدورة الـ 17 لـ "مهرجان بيروت الدولي للسينما".




دلالات

المساهمون