رحلة اقتحام عيون الأعاصير... جولة مع "إيرما"

رحلة اقتحام عيون الأعاصير... جولة مع "إيرما"

11 سبتمبر 2017
تخترق الطائرة العاصفة لجميع بيانات دقيقة عنها (يوتيوب)
+ الخط -
اكفهرت السماء ثم أومض البرق وهز اضطراب جوي قمرة القيادة في طائرة سلاح الجو الضخمة التي تعمل بمحركات مروحية توربينية، وهي تتقدم صوب عين الإعصار إيرما، أحد أقوى العواصف المسجلة في المحيط الأطلسي.

كان يتولى قيادة الطائرة ذات المحركات الأربعة الطيار الاحتياطي بسلاح الجو اللفتنانت كولونيل جيم هيترمان الذي قاد على مدار الاثنين والعشرين عاماً الماضية طائرات اقتحمت عيون ما بين 40 و50 إعصاراً.

وتختلف كل عاصفة عن غيرها من العواصف، لكن هيترمان يشبه تلك التجربة بقيادة السيارة عبر جهاز غسل السيارات، مع فارق واحد كبير.
يقول "وأنت تقود سيارتك عبر جهاز غسل السيارات تبدأ مجموعة من الغوريلات القفز على سيارتك".

ويضيف أن الاهتزاز يصل من السوء في بعض الأحيان إلى درجة يتعذر معها رؤية عدادات الطائرة.


ويومي الجمعة والسبت رافقت "رويترز" "مطاردي الأعاصير" بسلاح الجو الأميركي الذين يعد ما يجمعونه من بيانات بشق الأنفس مباشرة من مراكز أعاصير مثل الإعصار إيرما حيوياً للتنبؤات الأميركية اللازمة لإنقاذ الأرواح.

ويقول خبراء إن بيانات الأقمار الصناعية الأميركية لا يمكنها أن تؤدي هذا العمل، وقال ريك ناب خبير الأعاصير في قناة "ذا ويذر تشانل" التلفزيونية المتخصصة في أخبار الطقس والمدير السابق للمركز الوطني للأعاصير "يمكننا أن نقدر بالأقمار الصناعية مدى قوة وحجم الإعصار، لكنك إذا استطعت دخول الإعصار بنفسك يمكنك عندها فقط أن تحصل فعلياً على قياس دقيق لموقع مركزه على وجه التحديد وتركيبه والرياح القصوى.

يرابط "مطاردو الأعاصير" في سرب استطلاع الأحوال الجوية الثالث والخمسين في قاعدة كيسلر الجوية في بيلوكسي بولاية مسيسيبي. ويقول أفراد الفريق إن أصل مطاردة الأعاصير يرجع إلى تحد على الطيران عبر إعصار قبالة ساحل تكساس بين اثنين من طياري سلاح الجو أثناء تناول الشراب عام 1943.

واليوم يتولى تنفيذ معظم هذه المهام ضباط الاحتياط بسلاح الجو الذين يعودون بعد مطاردة العواصف لبضعة أيام أو أسابيع إلى أشغالهم مرة أخرى في الحياة المدنية.

ويقود هيترمان (49 عاماً) طائرات لشركة دلتا إيرلاينز معظم الوقت كما أنه يهوى المشاركة في سباقات الدراجات النارية. أما خبير الأرصاد الجوية في الرحلة الميجر نيكول ميتشل فهي خبيرة أرصاد في الأخبار التلفزيونية تتمتع بخبرة كبيرة وأم لرضيع عمره ثمانية أشهر، وتعيش في مينيسوتا.

وتعتبر ميتشل أنه كلما ازدادت دقة بياناتها كانت بيانات التنبؤات التي تبلغ المواطنين الأميركيين بما إذا كانوا سيخلون بيوتهم أكثر دقة مع تقدم العواصف مثل إرما وغيرها.


مجازفات

يبلغ عدد المرات التي تمر فيها طائرة ميتشل عبر عين الإعصار إيرما أربع مرات خلال الرحلة، وعادة ما تكون بعض المرات التي تدخل أو تخرج فيها الطائرة من العين أكثر اضطراباً من غيرها.

تسبب اصطدام الإعصار إيرما بالتضاريس في كوبا في إضعافه فتراجع من الفئة الخامسة إلى الفئة الرابعة، لكن المركز الوطني للأعاصير في الولايات المتحدة حذر من أنه من المتوقع أن تشتد قوته مرة أخرى.

 وقد صدرت الأوامر بإجلاء الملايين من سكان فلوريدا، ورغم شدة العواصف مثل إيرما والخطر المؤكد المرتبط بها على الأرض، فإن سجل السلامة مدهش لهذه لرحلات الجوية الأميركية عبر الأعاصير. فلم يحدث أن فقدت طائرة واحدة منذ أكثر من أربعة عقود. وكانت آخر مرة تسقط فيها طائرة عام 1974، لكنها لا تخلو من المجازفات. فقد بلغ عدد الطائرات التي فقدت وهي تطارد أعاصير ست طائرات وراح ضحية هذه الحوادث 53 شخصاً وفقاً لموقع "ذا ويذر أندرغراوند" على الإنترنت.

ويروي جيف ماسترز مدير الموقع موقفاً في غاية الصعوبة خلال رحلة عبر الإعصار هوجو عام 1989 نظمتها الإدارة الوطنية للمحيطات والأحوال الجوية التي تسيّر أيضاً طائرات بمحركات مروحية عبر الأعاصير.

فقد قائد الطائرة سيطرته عليها واشتعلت النار في أحد محركاتها وبدأت الطائرة تهبط بسرعة، وكل ذلك لأن كل بيانات الأقمار الصناعية أعطت طاقمه الإحساس بأنهم يطيرون عبر إعصار من الفئة الثالثة، واتضح أن الإعصار كان من الفئة الخامسة، وكان الفريق يطير على ارتفاع منخفض جداً بالنسبة لإعصار بهذه القوة.

وقال ماسترز "دخلنا على ارتفاع 1500 قدم وهو أمر محظور بالنسبة للفئة الخامسة، وتلقينا ضربة ساخنة".
 

وقد استطاع الطيار استعادة السيطرة على الطائرة بعد أن دخل عبر الإعصار هوغو، أما عن مهمة الإعصار إيرما فقد هزت الاضطرابات الجوية المعدات في قمرة القيادة أثناء اقتراب الطائرة من عين الإعصار.

وتأرجحت مظلات الطوارئ. ثم استقر كل شيء فجأة مرة أخرى، وبلغ الوضع من الأمان حداً أمكن معه خلع أحزمة الأمان، وكان الطيران سلساً.

وفي داخل عين الإعصار انكشفت السماء فجأة وأمكن رؤية "جدار العين" الأسود الذي يحيط بحلقات السحب خارج نافذة قمرة القيادة.

الطائرات بلا طيار وأجهزة الاستشعار

يقول ماسترز، إن الطائرات بلا طيار ربما تتمكن ذات يوم من أداء هذه المهمة الخطرة التي تؤديها اليوم أطقم جوية متمرسة، غير أن هذا الاحتمال ما زال يبدو بعيداً من قمرة القيادة في طائرة مطاردي الأعاصير.

وهذه الطائرة شأنها شأن جميع طائرات السرب الثالث والخمسين العشر من طراز (دبليو.سي-130 جيه) مجهزة بمعدات خاصة لجمع بيانات الأرصاد الجوية وإرسالها إلى المركز الوطني الأميركي للأعاصير. ويتم تشغيل بعض هذه المعدات يدوياً.

ويتضمن ذلك إطلاق أجهزة استشعار من بطن الطائرة تبث أثناء سقوطها بيانات العاصفة بما فيها الضغط الجوي وسرعة الرياح واتجاهها، وبعد بدء المهمة بدا أن أجهزة الاستشعار لا تؤدي وظائفها.

وتقول الخبيرة التقنية السارجنت كارين مور، المسؤولة ضمن مهام أخرى عديدة عن إطلاق أجهزة الاستشعار من الطائرة، إنها لم تستطع استقبال إشارة تحديد الموقع من الأجهزة وهي تهبط وسط رياح الإعصار.

وتضيف "لذلك أخرجتُ مفك براغي وبدأت فعلياً أصلحها واحداً تلو الآخر أثناء الطيران. وهذا شيء لن تستطيع طائرة بلا طيار أن تفعله".

ويقول هيترمان إنه يتوقع أن تطير طائرات بلا طيار مستقبلاً في عيون الأعاصير للحصول على البيانات التي يحتاج إليها الأميركيون، وأضاف "لكني أعتقد أن ذلك لا يزال بعيداً".

(رويترز)

المساهمون