يزد الإيرانية... مدينة الالقاب بشهادة دولية

يزد الإيرانية... مدينة الالقاب بشهادة دولية

14 يوليو 2017
معالم دينية في يزد (دي اغستيني Getty)
+ الخط -
بعد تسع سنوات تقريباً من بذل محاولات مكررة لتسجيل مدينة يزد الإيرانية على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، حصلت هذه المدينة على لقبها في النهاية لتصبح واحدة من عدة مواقع إيرانية مسجلة فيها.
تقع يزد في قلب إيران وفي مركز محافظة اسمها يزد كذلك، وتقع على مسافة ٢٧٠ كيلومتراً جنوب شرقي أصفهان، وتجاور محافظتي فارس وكرمان، وتمتد بين سلسلتي شيركوه وخرانق، الجبليتين، وتشكل الصحراء جزءاً منها وتحيط بها، وهو ما يجعل مناخ المكان حاراً وجافاً.
وصلت الحضارة الإنسانية إلى هناك منذ قرون طويلة ولت، ويصنفها الإيرانيون على أنها أول مدينة بُنيت منازلها من الطين والقش، ودون أن تعالج هذه المواد بالحرارة، وتحافظ هذه البيوت حتى يومنا هذا على طرازها المعماري وانضمت إليها بيوت حديثة بنيت على ذات المنوال، وهو ما جعل التناغم في عمارة يزد التاريخية مبرراً لوضع هذه المنطقة على قائمة اليونسكو، فالعمارة الخاصة بالصحراء والمزينة بالقباب والمنارات وممرات الرياح هي العوامل التي تجعل يزد مختلفة عن غيرها.
بنيت منازل يزد بطريقة تختلف عن الطراز المعماري الموجود في مناطق أخرى في إيران، سواء تلك التي تتبع الطراز الإسلامي أو ذاك الذي يعود إلى فترات سبقت دخوله للبلاد، وقسمت البيوت في يزد إلى أماكن إقامة صيفية وأخرى شتوية، فيساعد هذا الطراز المعماري الخاص سكان يزد على تحمل جفافها وحرارتها وخاصة في الصيف.

تراعي مباني يزد حرمة النساء على الرجال، ففيها أقسام مخصصة ومنفصلة، وتبتعد غرف العائلة عن الأقسام المفتوحة في كل منزل، فلا يمكن رؤية من يجلس في تلك الغرف من ساحته على سبيل المثال.
أما الجدران فتكون عالية غالباً، في محاولة لتظليل المنزل وإبعاد أشعة الشمس الحارقة عن مساحته الداخلية في ذاك الإقليم الصحراوي، وفي كل بيت يزدي ساحة صغيرة تبعد الساكنين عن تلك الأجواء الموجودة خارج جدران منزلهم، ففيها حوض ماء، ويحرص اليزديون على زراعة النباتات التي تناسب تلك البيئة، لكن ما يجعل مباني المنطقة استثنائية أكثر من هذا هو فتحات التهوئة، فالسقف مفتوح وبني بطريقة تتحرك عبره الرياح، وهو ما يجعل أصحاب المكان جالسين بارتياح وبأجواء مناخية لطيفة.
ليس هذا وحسب هو ما أعطى روح المدينة التي تتناغم مبانيها، تميزها وحسب، لكن الأماكن التاريخية في يزد متنوعة ومتعددة، وطابعها التراثي هو ما ساقها لتصبح بين عدة مواقع إيرانية مختلفة على قائمة اليونسكو ذاتها، ففيها ما يقارب العشرين سوقاً أو بازاراً شعبياً تاريخياً، فضلاً عن وجود ساحات لا يغيب عنها الطابع التراثي، وفيها مساجد معروفة، كمسجد يزد الكبير، مسجد أمير تشقماق، وملا اسماعيل، ويضاف لكل هذا الأزقة المتداخلة المزينة بأبنية الطوب والخشب، والتي توجد حولها المساجد والبازارات والحمامات الشعبية.

تعني يزد لغوياً، الطهارة، كونها أرض الإله، أو الأرض المقدسة كما كان يسميها الإيرانيون القدامى، ففيها انتشرت الزرادشتية، كما أنها تضم اليوم عدداً كبيراً من المساجد، وتعود كلمة يزد لعدة جذور لغوية، منها يشت، يسن، ويزت، وتعني برمتها الصلاة والعبادة، وهي المدينة المذكورة باسم "يشت" في كتاب الأبستاق أو الأفستا، وهو كتاب الزرادشتية المقدس.
بنيت يزد في عهد الساسانيين وأهداها يزد غرد الأول لابنته، ولطالما كثرت فيها دور العبادة، الزرادشتية أولاً، ومن بعدها المساجد، وهو ما يجعل لقبها الأول "دار العبادة" فلطالما اتبع سكانها ديانة توحيدية، كما يقول الإيرانيون.
تلقب يزد أيضاً بدار العلم، فهي الأولى من بين كافة المدن الإيرانية من حيث عدد المتعلمين، لكنها تُسمَّى أيضاً بمدينة الرياح، عروس الصحراء، والبعض يطلق عليها اسم حسينية إيران، لأن مساجدها الكثيرة تُجري مراسم عزاء خاصة ومختلفة خلال عاشوراء كل عام.
طورها الأتابكة الذين حكموها لأكثر من ١٤٠ عاماً، وبعد أن دخل المغول إلى إيران، تبعهم حكام يزد وهو ما أبقاها بعيدة عن الدمار والتخريب، بل تطورت فيها التجارة، ومرت السنوات وحكم الصفويون إيران، وسيطر على يزد شاه اسماعيل، وتميزت تلك الفترة بوجود حالة من التعصب الديني والاختلاف وهو ما أثر على يزد وتجارتها سلباً، لكن عقب استقرار الأوضاع عادت إلى مجدها، فهي مدينة الحرير والمنسوجات، وتقع على الطريق التجاري بين إيران من جهة والهند والصين من جهة ثانية، وهو ما جعلها قبلة كثيرين، وساهم باستقرارها.

حتى يومنا هذا، تتميز يزد بصناعاتها، كالقماش والمنسوجات والسجاد، ويوجد فيها مناجم للفحم والمعادن، وتشتهر بصناعة الذهب، وتصنف كخامس مدينة صناعية من بين المدن الإيرانية.
يزيد عدد سكان يزد عن المليون وفق إحصاءات عام ٢٠١٦، ويتحدث معظمهم الفارسية بلهجة تسمى اليزدية، ومنهم من يتحدث الزرادشتية حتى يومنا هذا، ويحفظ سكانها أناشيد ما زالوا يرددونها في مناسبات إيران القومية الحية حتى اليوم.
يعتنق غالبية اليزديين المذهب الشيعي، وفيها عدد من معتنقي الزرادشتية يصل لآلاف، كون أعداد الزرادشتيين لا تتجاوز ٢٥ ألفاً في إيران ككل وهو العدد الذي يتناقص سنوياً، ويتوزعون في يزد، أصفهان وكرمان وشيراز، كما فيها أقلية يهودية، وتصنف يزد ضمن المدن الإيرانية المتدينة، ولعل هذا ما يجعل يزد مختلفة كذلك، فدور العبادة فيها كثيرة ومتنوعة، وعمارتها الإسلامية تقف إلى جانب تلك التراثية التقليدية.
يزد، هي مسقط رأس الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي، وتصوت في غالبية الاستحقاقات الانتخابية المختلفة في إيران لصالح تيار الإصلاح.

دلالات

المساهمون