هروب اضطراري...انعدام المنطق

هروب اضطراري... انعدام المنطق

11 يوليو 2017
عودة أحمد السقا لعبت دورًا في نجاح الفيلم(فيسبوك)
+ الخط -
منذ بداية عرضه في عيد الفطر، حقق فيلم "هروب اضطراري" إيراداتٍ ضخمة، وصلت إلى 37 مليون جنيه، وأصبح على مقربةٍ من أن يكون الفيلم الأكثر نجاحاً في شُبَّاك التذاكر في تاريخ السينما المصرية. ورغم هذا النجاح، فإن الفيلم مُتواضع جداً من الناحية الفنية، ومليء بالثغرات والعثرات في بنائه الدرامي، ويعتمدُ بشكلٍ أساسيٍّ على مشاهد حركة تفتقر إلى الحد الأدنى من المنطق.
تدورُ الأحداث حول أربعةِ شخصيَّات لا يعرفون بعضهم بعضاً، يتمُّ اتّهامهم في قضيَّة مقتل رجل أعمال، بناءً على رواية شهود إثبات، ليبدأ الأربعة في رحلة هروبٍ، هدفها الأساسي إثبات براءتهم، ومعرفة سبب تورّطهم في كلّ هذا.

بدايةً، يمكن تعداد الأسباب التجارية التي أدت إلى نجاح هذا الفيلم بتلك الصورة الملفتة، وعلى رأسها، أنّه يمثّل عودة أحمد السقا إلى أفلام الحركة والصدامات والهروب ومشاهد الركض والضرب. وهذه النوعية من الأفلام هي المفضلة عند شريحة من الجمهور. كذلك، فإن السقا، كالعادة، وبذكاء حقيقي، يستعين بطاقم من الممثلين الرئيسيين الذين يشاركونه البطولة بمساحات شبه مُتساوية، ولكلّ منهم جماهيريته، وهنا تحديداً يعطي مساحة كبرى لأمير كرارة ليستفيد من نجاحه التلفزيوني المُتكرّر، ويصنع معه شراكةً يحبّ الجمهور مشاهدتها.

السبب الثالث لشعبيّة الفيلم هو وفرة ضيوف الشرف الذين يتكرّرون على مدار أحداثه، فيظهر أكثر من 10 ممثّلين معروفين، في أدوار بسيطةٍ لا تتجاوز أحياناً الثلاثين ثانية (مثل أحمد فهمي)، أو المشهد الواحد (مثل محمد فراج وبيومي فؤاد) أو لعدة مشاهد (مثل دينا الشربيني)، وصولاً إلى لقطة الفيلم الختامية التي يتم فيها الاستعانة بضيف شرف مفاجئ تماماً. تلك الظهورات أفادت الفيلم تجارياً إلى أقصى درجة، خصوصاً مع تصديرها في حملته الدعائية. أما السبب الرابع، فهو النجاح الكبير لأغنية الفيلم التي غناها فريق "إم تي إم"، وأدَّت لرواج اسمه، ولقطاته قبل أسابيع من نزوله.

ولكن، في مقابل هذا النجاح التاريخي، هناك درجةٌ غريبة من الاستسهال والحلول الدرامية الساذجة في سيناريو الكاتب، محمد سيد بشير. فبدايةً، يقومُ الفيلم على حبكةِ اتِّهام 4 أشخاص لا يعرفون بعضهم بعضاً بجريمة، يتمُّ القبض عليهم بل وسجنهم على ذمة القضيّة دون أي تساؤل عن علاقتهم ببعضهم بعضاً، أو مع المجني عليه، وبناءً على شاهد إثبات كان موجوداً في مسرح الجريمة. لاحقاً، يتمُّ تلفيق هروبهم من السجن ثم تجميعهم بصورة سطحيّة جداً، لا تليق بكونها نقطة الحبكة الرئيسيّة التي يقوم عليها الفيلم، ويتقافز الفيلم بعدها من لحظة إلى أخرى بهدف وحيد هو وضع الشخصيّات في مواقف يحاولون فيها الهرب، دون أن يملك حتى حلولاً مقبولة لذلك "الهروب الاضطراري".

نشاهد، مثلاً، مطاردة ضخمة بالسيارة أو الموتوسيكل، تتم مراقبتها من قبل الشرطة بالكاميرات ومتابعتها بـ"الجي.بي.إس"، وفجأة، ينتهي كل شيء دون حل، وننتقل للمشاهِد التالية، والأبطال هاربون بالفعل. أو مشهد ذهابهم للمبنى الذي جرت فيه الجريمة، وإغلاق الشرطة لكل المداخل، ومع ذلك تكون وسيلة هروبهم هي "السقالة" الخارجية للمبنى (وهي المكشوفة لأي شخص في الشارع!)، ثم ينتهي المشهد بأنهم هربوا بالفعل، دون أن نعرف أين ذهبت الشرطة التي تملأ المكان.

وهكذا، ينعدِمُ المنطق في أيّ مشهد، ويكونُ الهدف الوحيد هو إتاحة الفرصة لأحمد السقا، غالباً، وأمير كرارة، أحياناً، في صنع صدامات بالسيارات، أو هروب بالموتوسيكل، ووصولاً لقفزة بالحصان.
على تلك الشاكلة، تكون الأحداث هي مُجرّد فواصل وجسور بين كل مشهد حركة وآخر، تنعدم الصلة بين المتفرج وشخصيات الفيلم الرئيسية، فنحن لا نعرف عن شخصية أدهم إلا أنّه ثريٌّ مهتم بالدراجات البخارية. ولا نعرف عن مصطفى إلا أنّه بلطجي، وعن ندى إلا وجود طفلتها. وحتى التفاعلات بينهم، التي يفترض أن تصل مع منتصف الفيلم إلى كونهم أصبحوا أصدقاء (بما يسمح لأدهم أن يعود من أجل إنقاذ مصطفى)، تحدث بأن يخبرنا الفيلم على لسان أبطاله أنهم "أصبحوا أصدقاء وفي مركب واحدة"، دون أن نشعر نحن بذلك في أي لحظة، وصولاً إلى النهاية المرتبكة التي تدخل فيها 4 شخصيات جديدة دفعة واحدة إلى الفيلم من أجل حل الحبكة المهترئة، ويقرر البوليس الذي يعرف مكان المجرم الحقيقي أن يرسل له المتهمين المظلومين لاقتحام المكان أولاً، دون أي سبب إلا الرغبة في صنع مشهد حركة إضافة للسقا وكرارة ينتهي مرة أخرى بمطاردة سيارة. وهكذا يتحرك الفيلم من فجوة درامية إلى أخرى، دون أن يكون لدى صناعه أي مشكلة، طالما مشاهد الحركة واستخدام الكاميرا الطائرة "درون" يحدث دون توقف. على صعيد الأداء، أغلب الممثلين قدَّموا أدواراً ضعيفة، أحمد السقا لا يتغيَّر، نفس الوجه الجامد، والأداء الجسدي المبالغ فيه، غادة عادل بانفعال واحد هيستيري ومتكرر منذ بداية الفيلم لآخره، مصطفى خاطر يستقدم شخصية الشاب المتردد الكوميدية في مسلسل "نيللي وشريهان" ويقدمها بنفس أبعادها فيما يفترض أنه دور درامي، فتحي عبد الوهاب بأداء عصبي ومزعج وصوت عال لا يتوقف. الوحيد الذي قدم دوره بجدية نسبية هو أمير كرارة، صحيح أنه تكرار لشكل أدائه في المسلسلات، ولكنه أفضل ممثلي الفيلم، وأكثرهم اجتهاداً على الأقل. أما ضيوف الشرف فوجودهم مجرد دعم تجاري، دون أي إضافة من أي منهم.

دلالات

المساهمون