الأزهر... متحف إسلامي مفتوح

الأزهر... متحف إسلامي مفتوح

23 يونيو 2017
عمل الأزهر كمركز لانطلاق الاحتجاجات ضد الاحتلال الفرنسي (Getty)
+ الخط -
يعد الجامع الأزهر متحفاً مفتوحاً للفنون الإسلامية، وذلك بما تضمنه من مدارس وأروقة فنية تنتمي لعصور مختلفة. فمنذ افتتاحه للصلاة، في رمضان سنة 361 هـ، وكل عصر من العصور يضفي عليه من سماته الوظيفية والمعمارية بما يختلف عن غيره. بناه جوهر الصقلي من بين إنشاءات العاصمة الجديدة التي أنشأها ذلك القائد لاستقبال الخليفة الفاطمي، المعز لدين الله. وقد أسماه تيمناً باسم السيدة فاطمة الزهراء.
ويعد الأزهر أول مساجد القاهرة الفاطمية، وفاتحة هذا الفن المعماري الذي انتشر في المحروسة حتى سميت القاهرة بمدينة الألف مئذنة.على مدى تاريخه الذي فاق الألف عام؛ مرت على الأزهر سنوات عجاف وأعوام خير، فهو قد بني كمؤسسة إسماعيلية، واستقدم الخلفاء له الكثير من المعلمين لخدمة المذهب الرسمي للدولة، وعندما انتهى عصر الفاطميين وجاء صلاح الدين والحكم الأيوبي، ألغي الدور السابق للجامع الأزهر، ومنع منه الطلاب والمعلمون لحين تغيير كافة العلوم والأفكار التي كان المسجد ينشرها سابقاً.
في العصر المملوكي، جرت عدة توسُّعات وتطوُّرات بالجامع، وأظهر حكام مصر آنذاك الكثير من الاحترام للمسجد وقدموا له أشكالاً متنوّعة من المساعدات المالية، سواء للدراسة أو الصيانة. وأعيدت صلاة الجماعة في الأزهر في عهد السلطان المملوكي بيبرس عام 1266 ميلادية، وعاد إليه الطلاب والمعلمون وعادت لهم رواتبهم، وبدأت به حركة إصلاح وصيانة واسعة. ومع نمو القاهرة الكبير ظهرت الحاجة الشديدة لعودة الأزهر كمسجد جامع يجتمع فيه الناس ويقوم بدوره الثقافي والاجتماعي والسياسي.

أدى زلزالٌ عام 1302 إلى إلحاق أضرار بالأزهر وعدد من المساجد الأخرى في جميع أنحاء الدولة المملوكية. وقد انقسمت مسؤولية إعادة الإعمار بين أمراء السلطنة ورئيس الجيش، الأمير سالار، الذي كُلف بإصلاح الضرر. وبعد سبع سنوات، تمّ بناء مدرسة متخصصة، وهي مدرسة الأقبغوية، على طول الجدار الشمالي الغربي للجامع. وأزيلَت أجزاءٌ من جدار المسجد لاستيعاب المبنى الجديد. وتمَّ إجراء تحسينات وإضافات من قبل السلطان قايتباي والسلطان قنصوه الغوري. وكان من الممارسات الشائعة بين سلاطين المماليك بناء المآذن، التي تعدُّ رمزاً للسلطة والطريقة الأكثر فعالية لترسيخ المكانة في القاهرة. وكان السلاطين يرغبون في إقامة علاقة جيدة مع الأزهر ذي المكانة الشعبية المرموقة.

على الرغم من استعادة المدرسة بالجامع مكانتها، فإن الإقبال عليها من قبل النخبة في القاهرة كان ضعيفاً، فالمدارس الخاصة والحكومية كانت تجتذب أبناء الأثرياء والقادرين، بينما احتفظ الأزهر بسمعته كمكان لتعليم ملائم ومجاني لأبناء الفقراء وكذلك أبناء الجاليات والدول الإسلامية والعربية الراغبين في دراسة العلوم الإسلامية والفلسفية في الأزهر.
مع الضم العثماني لمصر عام 1517، وعلى الرغم من قتالهم الشديد للسيطرة على مدينة القاهرة، فإن الأتراك أبدوا احتراماً كبيراً للأزهر، ورغم توقف الرعاية الملكية المباشرة، حضر السلطان سليم الأول، أول حاكم عثماني لمصر، صلاة الجمعة به، لكنه لم يتبرع بأي شيء لصيانته. ثم حضر الأمراء العثمانيون لاحقاً صلاة الجمعة فيه بانتظام، ولكن نادراً ما قدمت إعانات لصيانة المسجد، على الرغم من أنهم قدموا في بعض الأحيان رواتب للطلاب والمعلمين. وعلى النقيض من التوسعات والإضافات التي تمت خلال السلطنة المملوكية، لم يهتم العثمانيون بالأزهر في بدايات حكمهم.
عملَ الأزهر كمركز لانطلاق الاحتجاجات والمظاهرات ضد الولاة العثمانيين المستبدين، وضد الاحتلال الفرنسي ثم الإنكليزي. وكانت الاحتجاجات الطلابية في الأزهر شائعة، والمحلات التجارية في محيط المسجد غالباً ما كانت تغلق أبوابها تضامناً مع الطلاب، وكان العلماء في بعض الأحيان قادرين على إظهار التحدي للسلطة.



المساهمون