بيت السناري وصاحبه

بيت السناري وصاحبه

24 ابريل 2017
بيت السناري (العربي الجديد)
+ الخط -
"فخر الأماثل وكمال الأعيان العظام عين أعيان ذوي القدر أولي الشأن الفخام". هذه فقط مقدمة وصف الأمير إبراهيم كتخدا السناري في عقد ملكية منزله الشهير المعروف ببيت السناري في القاهرة العتيقة، في عصر المماليك. أما بيت السناري الذي شيده صاحبه سنة 1209 هـ - 1794م فقد أنفق عليه أموالاً طائلة حتى صار أحد أفخم بيوت القاهرة في زمانه.
كانت تلك فترة ذهبية لإبراهيم كتخدا الذي ظهر أولا بوصفه عرافا يتقن فنون السحر والتنجيم، فاشتهر في زمن كان المصريون فيه يؤمنون بالخرافات أكثر من إيمانهم بالطب ويلجأون للسحرة للنجاة من الشر. ذاع صيت تمائم السناري الذي بدأ مشوار حياته حارساً لعقار وخادماً (بواباً) وهو من برابرة دنقلة بالسودان، وهاجر إلى المنصورة شمال مصر واستقر بها؛ وتعلم القراءة والكتابة والتنجيم والسحر الأسود واستطاع لفت انتباه حكام مصر المماليك فقربوه منهم رغبة في منافع سحره وتعاويذه. ثم تعلم اللغة التركية فصار في خدمة مصطفى بك الكبير واسع السلطة والنفوذ وأخذ مسؤولية إدارة شؤون الأمير وتحرير رسائله ووثائقه.
ذكاء السناري ومواهبه جلبت له خيرا كثيرا، ولكنها أيضا زرعت الخوف منه في قلوب آخرين، فمراد بك الكبير شك في السناري كونه مقربا من الأمير مصطفى بك، وظنّ أن الرجل كان طرفا في مؤامرات الأخير وفِتنه فأمر بقتله؛ ولكن السناري هرب حتى هدأ غضب مراد الذي تبين له بعد ذلك أن الاستفادة من مواهب هذا الشخص أفضل من ذبحه.
قرّبه مراد إليه، وعينه كتخدا (أي مُحافظاً) ثم اتسع نفوذ السناري وأصبح المتحدث الرسمي والممثل الأول لمراد بك الكبير. لكن كما هو متوقع من مثله، أدار السناري الأمور لما فيه مصلحته الخاصة فزاد ثراؤه وشيد داره المعروفة الآن واثنتين أخريين وأصبحت له بطانة وحاشية وعبيد وجَوار وأتباع وأملاك، ومضت عدة سنوات رغيدة عليه. حتى كان يوم طلبه فيه الباشا العثماني حسين القبطان للحضور لديه بالإسكندرية هو ومجموعة من الأمراء، ثم غدر بهم وقتلهم ودُفن السناري بالإسكندرية بعيدا عن بيته وقصوره.
يقع المنزل بحي الناصرية بالسيدة زينب في نهاية حارة منج- نسبة إلى أحد علماء الحملة الفرنسية – وكان المنزل قد تم مصادرته عام 1798 بغرض إسكان أعضاء لجنة العلوم والفنون الذين جاءوا مع الحملة أثناء احتلال مصر، وقد خُصص المنزل لإقامة المصورين والعلماء الذي عملوا على تأليف كتاب "صف مصر" وأجروا به بعض الأبحاث المهمة وقتها. كما أنه استضاف متحف "بونابرت" في الفترة ما بين 1917 و1926م.
بعد حرق المجمع العلمي المصري في 17/12/ 2011 تم نقل محتويات المجمع إلى بيت السناري، الذي تحول الآن إلى مقر للورش الفنية والتدريب على الرسم والخط وغيره من الفنون، وكذلك بات مقرا لندوات الأدباء وبعض العروض المسرحية والفنية الشعبية.
يتكون البيت من قسمين غربي وشرقي، الجزء الغربي يحوي قاعات الاستقبال وأماكن الجلوس، فيما يحتوي الجزء الشرقي على الغرف التي تستخدم لأغراض متنوعة. ومدخل البيت الحجري على حارة منج وتعلو المدخل مشربية بارزة كانت بغرض رؤية من بالشارع دون أن تكشف المنزل أو الناظرين منه.

المساهمون