العالم يتداعى

العالم يتداعى

18 ابريل 2017
خلال تصوير شخصية روكي بالباو (فرانس برس)
+ الخط -
في إحدى لحظات البوح المتبادل بينهما، ينظر روكي بالبُوَا إلى لوحةٍ موضوعةٍ جانباً، ويقول لصديقه وشقيق زوجته الراحلة: "هذه اللوحة تتداعى يا بولي"، فيُجيبه بولي: "العالم من حولنا يتداعى".

لن يكون اختيار جملةٍ كهذه، من أحد أكثر الأفلام السينمائية لسيلفستر ستالون سوءاً وفشلاً، عشوائياً. فالجملة أوثق ارتباطاً بما يشهده العالم اليوم، واختيارها محاولة مختزلة لفهم (أو محاولة فهم) التداعي الرهيب الذي يعانيه هذا العالم نفسه، حالياً. أما الخراب، فأقوى من أن يُوصف بكلمةٍ، والجريمة أشنع من أن تُحدِّدها جملة، والصُوَر أعجز من أن تلتقط المتتاليات العنيفة لوحوشٍ متفلّتةٍ من كل قيدٍ أو قاعدة، تريد (الوحوش) فرض قواعد إجرامية للعيش، وإلاّ فليكن الموت مصير الرافضين.

أما السؤال الأخلاقيّ، الموجَّه إلى القتلة ـ وإلى المشاركين في القتل، ومبرِّري الفعل الجُرمي، والصامتين عنه ـ فيبقى أساسياً في كلّ نقاشٍ: هناك جريمة تُرتكب، والتفسيرات التي تُبرِّرها أجرم منها.

لذا، يبدو العالم "من حولنا" متداعياً، أكثر من أي وقتٍ ماضٍ. فالقتلة لن يعترفوا بما يفعلون، وجماعاتهم أحطّ قَدَراً من أن يقولوا ما لن يقوله أسيادهم، والضحايا، عندما يموتون، يصمتون ويغيبون. وذاكرة الإنسان أقصر من تلك المعروفة عن السمكة. هذا كلّه يؤكّد كم أنّ العالم "من حولنا" يتداعى، وكم أن المسافة قصيرة جداً، بين الراهن والانعدام الأخير لكلّ مساءلة أخلاقية، غير قادرة ـ إن تكن موجودة فعلياً ـ على لجم القاتل، وإنقاذ الضحية، والاعتراف بالجرم، ووقف انهيار ما تبقى من حياةٍ وعيش.

سيُقال: "لتحلّ اللعنة على كلّ أخلاقية مطلوبة، في حربٍ قائمة بين وحوشٍ وتنانين". لن أعارض هذا. سأقول "فلتحلّ اللعنة"، وليتحرّر الجميع من كلّ منطقٍ أو أخلاقيةٍ أو قيمة، وليسقطوا في الجُرم، فعلاً، أو ممارسةً، أو مُشاركة، أو صمتاً، أو تغاضياً، أو تبريراً، أو تفسيراً. ليقولوا "نعم للطاغية"، و"نعم للقاتل"، و"نعم للجريمة". ليصرخوا عالياً: "لا ضحايا هنا وهناك، بل قتلة وإرهابيون وفاسدون وفاسقون، فليُقتلوا جميعهم، وليكن قاتلهم فاعل خير للبشرية بتصفيتهم". ليُعلنوا انتماءهم إلى ثقافة "السارين"، و"البراميل" المتمثّلة بأنواعٍ متطوّرة من البارود، أو بكتاباتٍ وتعليقاتٍ لمن يدّعي ثقافة أو صحافة أو رأياً أو تفكيراً.

فهذا العالم، الذي يتداعى من حولنا يا روكي، منحازٌ إلى ظلامٍ مبثوثٍ في ثنايا الروح، ومسام الجسد، ورفاهية الجلوس في غرفٍ غير مُطلَّةٍ على العالم، مع أن قابعين فيها يصنعون مصيره "على صورتهم ومثالهم". والمقيمون في العالم، ممن يصمتون، أو يُمنَعون عن احتجاجٍ أو قولٍ، أو ينفضّون عن كلّ مُشاركة لألف سبب وسبب، فتتلوّث براءتهم، هم أيضاً، بجحيم الأرض، وخوائها.

أما الذين يواجهون الجريمة والصمت معاً، فقلّة تُعاند التداعي، رغم عواصف التبدّل المعلَّق. فهل ينجو العالم من خرابه، بفضلهم؟ هل ينجون، هم، من خراب العالم؟




دلالات

المساهمون