النيروز في تركيا: الصوم عن الكلام السيئ

النيروز في تركيا: الصوم عن الكلام السيئ

21 مارس 2017
احتفالاً بالنيروز في اسطنبول (الأناضول)
+ الخط -

كست الألوان المزركشة ومظاهر الأفراح، بعض المدن التركية، وشرق الأناضول خاصة،  بمناسبة عيد النيروز، الذي يمثل بشرى الربيع وعيد الطبيعة، أو بداية العام الجديد بالتقويم الكردي. وهنأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سكان المنطقة وعلى رأسهم الشعب التركي، بمناسبة حلول عيد النيروز، موضحاً خلال رسالة أمس، أن هذا العيد الذي يشير إلى بدء فصل الربيع؛ يعتبر رمزًا للتضامن والصداقة والأخوة.


وتختلف طرق الأفراح بعيد النيروز الذي تحتفل به تركيا وإيران وبعض الدول العربية والقوقاز، ليبقى لشرق الأناضول بتركيا طريقتهم المفعمة بالتسامح، إذ يحتفل أهالي ولاية أغادير شرقي تركيا، وفق طقوس على سبع مراحل تشمل "الصيام عن الكلام السيئ"، و"التنظيف"، و"عيد الموتى"، و"زيارة المسنين والمرضى"، و"يوم الطفل"، و"يوم الشباب"، و"الألوان السبعة".

ويبدأ الصيام عن الألفاظ السيئة، قبل أسبوعين من العيد، إذ يسعى الأهالي إلى نسيان آلام ومشاكل العام الماضي، وتحقيق المصالحة بين المتخاصمين، ومع حلول يوم 21 آذار/مارس، يبدأ الناس تنظيف حدائق منازلهم، وتُجمع النفايات في منطقة معينة، وتضرم النيران فيها، ويقفز الأهالي من فوق ألسنة اللهب، حيث يعتقدون أن المشاكل تحترق في تلك النار، وفي ذلك إحياء  قصة "أرغنيكون" وأسطورة صهر الجبال للهروب من الطاغية.

ومن مظاهر الاحتفال بولاية أغادير، ما يسمّى بعيد الموتى، إذ يتوجه الأهالي إلى القبور قبيل الاحتفال بالعيد، ويقومون بتنظيف المقابر، قبل أن يزينوها بالورود الملونة ومن ثم تقرأ آيات من القرآن الكريم  وتوزع مأكولات على الزوار.




بعد عيد الموتى، تبدأ زيارة المسنين والمرضى، وبعدها تنظم فعاليات مختلفة منها الألوان السبعة، وهو طبق خاص يعد من سبعة أنواع من الفواكه أوالمكسرات، ويقوم بإعداده الأشخاص الأكبر سنا في العائلة، ويقدم للأصدقاء والجيران والأقارب، خلال تبادل الزيارات بمناسبة العيد.

ويجري تقديم "الألوان السبعة" على مدار ثلاثة أيام، إيماناً بأن هذه الخطوة، توطد العلاقات بين الجيران والأصدقاء، وتعزز من الاحترام بين الناس، حيث يطوف الأولاد صبيحة 21 مارس/ آذار بيوت الحي ليعايدوا كبار السن، الذين يقدمون لهم هدايا الألوان السبعة.

ومن بين هذه الطقوس، إعداد الـ"سماني"، وهو عبارة عن وعاء تتم فيه زراعة بذور حبوب مثل القمح والذرة والحمص، قبيل أسابيع من حلول النوروز أو النيروز، كما يلفظ في بعض الثقافات.

ومع إنبات البذور واخضرارها تمثل الـ"سماني" (عشبة الحياة) وفق الموروث الشعبي، ويتم إهداؤها للأصدقاء والجيران والأقارب، في عيد النوروز، الذي يوافق 21 مارس/ آذار.

ومن بين الولايات التي مازالت تحافظ على هذا التقليد المتوارث، ولاية أغادير شرقي تركيا، حيث يبدأ الأهالي بزراعة الحبوب في أوعية متنوعة وبألوان مختلفة، مطلع مارس/ آذار من كل عام.

ويصل طول النباتات في أوعية الـ"سماني" إلى نحو 15 سنتم، وترمز إلى "الخير والبركة"، وتعني انتعاش الآمال مع قدوم الربيع، وتنهي العداوة بين المتخاصمين عندما يتم تبادلها كهدايا في العيد، وتسهم في تحقيق المصالحة بينهم. وترسل الـ"سماني"  للناس الذين "نمنحهم قيمة"، وأن من ينالون هذه الهدية من جيرانهم، يشعرون بسعادة كبيرة.



ويعود الاحتفال بعيد النيروز إلى عصور ما قبل التاريخ، وتتعدد الروايات حوله، ولعل أهمها وفق الموروث الكردي والتركي، هي قصة "أرغنيكون" أو يوم الهروب من أرغنيكون أو يوم الانتصار، إذ تتحدّث القصة عن أنّ الأتراك هُزِمُوا بالخدعة وقُتِل وأُسِرَ الكثير منهم. والذين هربوا من أيدي الأعداء ذهبوا إلى جبل أرغنيكون، حيث كانوا يعتقدون بأنّ أحداً لن يجدهم هناك. ومع مرور الزمن، عندما كانوا يرغبون بالخروج من الجبل كانوا يَرَوْن أنّ الجبال الحديدية تحيط بهم. ولذلك، كانوا يُشعِلُون النار فتنصهر الجبال ويرجعون إلى وطنهم السابق.

كما يروى أن الملك الفارسي جمشيد، وكان يدعى جم، كان يسير في العالم، وحين وصل إلى أذربيجان أمر بنصب عرش، وحين جلس عليه، أشرقت الشمس وسطع نورها على تاج وعرش الملك فابتهج الناس، وقالوا: هذا يوم جديد. ولأنّ الشعاع يقال له في البهلويّة: (شيد) أضيفت الكلمة إلى اسم الملك فأصبح جمشيد، وقيل بأن هذا أصل الاحتفال بهذا اليوم.

ويلقى عيد الطبيعة أو النيروز، أهمية خاصة لدى الأكراد، حيث يعتبر هذا العيد مقدساً وتعطل خلاله ولأربعة أيام الجهات الحكومية بكردستان العراق، ومن طقوسه، التزيّن باللباس الكردي التقليدي من رجال ونساء كبار وصغار، والاحتفال به عبر إشعال النار والقفز حولها، والخروج من البيوت إلى الطبيعة والجبال، وتحضير الأطعمة التقليدية.


وبالنسبة للأتراك، يجري الاحتفال بعيد النيروز منذ عهد الإمبراطورية العثمانية، وكانت الاحتفالات تستمر عدة أيام، وبعد تأسيس جمهورية تركيا الحديثة، بدأت مظاهره تقل تدريجيا، وأصبحت تقام الاحتفالات، وتتركز في المناطق الكردية والشمالية في تركيا، إلى أن أعلنت الحكومة التركية عام 2005 ميلادية، في منشور وزاري رسمي، تطلب إليهم الاحتفال بهذا العيد بصورة رسمية بعموم تركيا.

ويعد النيروز من الأعياد المنتشرة لدى العرب، فيحتفل به المصريون، ويسمونه شم النسيم، وفي العراق يسمى عيد الدخول. وفي عيد النيروز،  يقصد الناس مدينة المدائن قرب بغداد، والتي تضم مسجد سلمان المحمدي "الفارسي"، والآثار الساسانية، مثل طاق كسرى.

وربما ما يعطي النيروز بعداً إنسانياً تحررياً، أكثر منه قومياً وروحياً، أن شعوباً وطوائف عدة تحتفل به، منهم الإسماعيليون، والعلويون، والبهائيون، وحسب " اليونسكو" يحتفل اليوم ما يقرب من 300 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بهذا العيد ما دفعها –اليونسكو – في شباط 2010 م، لإدراج عيد النيروز في القائمة النموذجية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، كما اعترفت بيوم 21 مارس/آذار كونه يوم نوروز الدولي.

(مصدر الصور: الأناضول)

دلالات

المساهمون