سوق المقاطعة الخامسة في موريتانيا… استمرارية وصمود

سوق المقاطعة الخامسة في موريتانيا… استمرارية وصمود

13 مارس 2017
يتم بيع منتوجات الصناعة الموريتانيّة التقليديّة (العربي الجديد)
+ الخط -
لا تزال الأسواق الشعبية في موريتانيا تحافظ على مكانتها ورونقها القديم، وتستقبل مئات الزوار والسياح يومياً، رغم منافسة الأسواق الجديدة التي تقدم خدمات وتسهيلات كبيرة. وفي العاصمة الموريتانية نواكشوط، يعتبر سوق المقاطعة الخامسة أشهر وأقدم سوق شعبي تعاقبت عليه أجيال من الباعة والموردين والزبائن، وشهد سجالاً ومناقشات حادة ومعارك بين رواده بسبب الاحتكار والمضاربات، ورغبة كبار التجار في السيطرة عليه.

إذ دائماً ما يندلع الصراع بين أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، وبين الأيدي العاملة البسيطة أو أصحاب المشاريع الصغيرة. ولا يزال هذا السوق يخضع لقوانين وأعراف خاصة يضعها التجّار والموردون، حتى إنَّ الحكومة فشلت في إقناع التجار بمشروع كبير لترميمه، وإعادة بناء أجزاء منه.

فضاء عام للنقاش
ويقول محمد المختار ولد الشنقيطي، الذي دخل سوق المقاطعة الخامسة بائعاً مُتجوّلاً، وتحوَّل اليوم إلى أحد أكبر تجاره، إن "سر شهرة هذا السوق هو الأحداث التي شهدها، وكانت ساحته الرئيسيّة مَركزاً لها. إذ انعكَسَت أحوال البلاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على السوق. وكان الجميع يزوره لمعرفة موقف الرأي العام الموريتاني تجاه الأحداث التي طرأت. فكانت النقاشات والتجاذبات التي تحدث داخله، كردّة فعلٍ على الأحداث التي طرأت في البلاد، في حدّ ذاتها، أحداثاً مهمة وتطورات كبيرة يوليها الحاكم والمحكوم اهتمامه. أي أنه ليس سوقاً للتجارة والبضائع فقط، بل هو فضاء عام واسع يتمُّ فيه تبادل الآراء ومناقشة الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد".

دمج بين الأصالة والحداثة
وأشار إلى أنّ هذا السوق استطاع استيعاب مُختلَف الآراء والتوجهات، وواكب التغيُّرات التي حدثت في المجتمع. فتحوّل من سوق قديم إلى سوق شعبي حديث، تُباع فيه مختلف السلع الجديدة المستعملة والتجهيزات الإلكترونية الحديثة. واعتبر التاجر أن "سر إقبال الزبائن الكبير على هذا السوق هو المزج بين القديم والحديث، بين المستعمل والجديد، إذ يبحث الزوار عن الأسعار المنخفضة والبضاعة التي تفي بالغرض، ويقارنون بينهم قبل اختيار نوع معين، بينما لا تتيح باقي الأسواق لزوارها هذا الاختيار، لأنها لا تتوفر على هذا الكم الكبير من البضائع".

مرآة للتقليد الموريتاني
وتنتشر داخل سوق المقاطعة الخامسة محلات الصناعة التقليديّة، ومكتبات تبيع الكتب القديمة النادرة، وعربات الباعة الجائلين وأصحاب المهن الموسمية، ومتاجر متخصصة في بيع المسروقات. وتجري داخل هذا السوق ممارسات تعكس التقاليد والموروث الثقافي والاجتماعي في موريتانيا، إذ تنتشر فيه فرق تقدم مختلف الفنون الشعبية، وسرد الحكايات، وإقامة حلقات الوعظ وقراءة الطالع، إضافةً إلى مطاعم تُقدِّم الأكلات الشعبية المعروفة.

قبلة للسياحة
وأصبح هذا السوق قبلة للسياح الذين يجدون فيه فضاء لاقتناء تذكارات وتحف الصانع التقليدي من خزف وفخار ومنسوجات وملابس، فضلاً عن أنّه يمثّل موعداً أسبوعيّاً للتلاقي الثقافي والاجتماعي بين المجتمعات القروية والحضرية، وهو ما يجعله يحظى بجاذبية شديدة لدى السياح، يتعرفون من خلاله على أسلوب العيش وكيفية التعامل بين الناس.
إذا، ليس السوق فقط مكاناً تجارياً صرفاً، بل هو مرآة لحال وأحوال البلد. وبحفاظ التجار عليه من قبل تدخّل الدولة، يجعلونه سوقاً منفصلاً عن الآلة الرأسمالية الضخمة للدولة، وقريباً من الناس، ومعبّراً عن النفَس المحلي الموريتاني التقليدي الأصيل.



المساهمون