"غرباء في الجنّة": اللاجئ كوجهة نظر

"غرباء في الجنّة": اللاجئ كوجهة نظر

24 ديسمبر 2017
منتجا الفيلم سارا درايفر وريتشارد أيدسون (Getty)
+ الخط -
تعدّ كيفيّة التعامل مع اللاجئين، واحدة من أهمّ وأكثر القضايا التي تشغل بلدان وحكومات أوروبا، خلال السنوات الست الماضية، تحديداً بعد "الربيع العربي". يحملُ الأمر وجهات نظر عديدة، لكل منها صوابيتها واحتمالاتها، والاشتباك مع ذلك ضروري، لأنّه يؤثّر في حاضر ومستقبل القارة كاملة. 

ينشغل الفيلم الهولندي "غريب في الجنة"، للمخرج جويدو هيندريكس، المعروض ضمن برنامج "بانوراما الفيلم الأوروبي" في القاهرة، فقط بفكرة وجهات النظر تجاه القضية، وفردها على الطاولة. يدور الفيلم بالكامل داخل غرفة مغلقة. شخص غير مُعرّف (يتم توصيفه في تترات الفيلم بصفته "أوروبا")، يقابل ثلاث مجموعات من اللاجئين، في ثلاثة فصول للفيلم، ويتعامل في كل فصلٍ بطريقة مختلفة تمثل وجهات نظر متباينة تجاه المسألة، ويعكسُ تلك الرؤية، وردود أفعالهم عليها.

في الفصل الأول، والذي يسميه المخرج "عندما يخبرهم الحقيقة"، يتحدث الشخص/أوروبا من وجهة نظر يمينية. يعرض للاجئين، وبطريقة حادة، أرقاماً عن الكلفة الاجتماعية والصحية التي تتكبّدها الدولة عند لجوئهم إليها؛ 26 ألف يورو لكل فرد، ثم يقول إن النازحين يصل عددهم إلى مليون ونصف المليون كل عام، "هل تدركون معنى ذلك؟ إننا نصرف 39 مليار يورو سنوياً على اللاجئين". ويسألهم لماذا يقبل، كمواطن أوروبي، ذلك؟ قبل أن يذهب إلى ما هو أبعد، ويقول إن قوانينهم الدينية (وأغلبهم مسلمون من بلدان أفريقية وعربية) تتعارض مع القانون الأوروبي أحياناً، ومع الفرد الغربي الذي لا يؤمن، في أغلب الأحيان، بالإله، "فهل ستقبلون التعايش مع ذلك؟ أم ستحاولون، مع تزايد عددكم، تغييره؟ تترك الأسئلة على الطاولة في هذا الفصل، وصولاً إلى الحدة المتطرفة التي يخبرهم بها أن الأفضل هو العودة إلى بلدانهم وتغيير الوضع.

في الفصل الثاني، وبشكل مُوحٍ، يسميه "عندما يخبرهم الحقيقة.. مرة أخرى"، ولكن تلك "الحقيقة" تعرض من وجهة النظر اليسارية المعارضة تماماً للفصل الأول. يتحدث فيها الممثل عن الغزو الأوروبي، ونهب الثروات الأفريقية لقرونٍ وقرون، وأن نتيجة الاستعباد والاحتلال والنهب هو "أنا، كأوروبي، شخص غني. وأنت، كأفريقي أو عربي، شخص فقير". ويتساءل "أليس من منطق الأمور التكفير عن بعضٍ من ذلك الآن؟". ويسرد قائلاً إن هنالك 500 مليون أوروبي غني في تلك اللحظة، وإذا افترضنا وجود مليون ونصف نازح سنوياً، فإن كل 10 أوروبيين سيكون عليهم مساعدة أو كفالة لاجئ واحد، فلماذا لا يحدث ذلك؟

وأخيراً، في الفصل الثالث، يسميه المخرج "عندما يخبرهم باللوائح". ويستعرض فيه الممثل قوانين منح الإقامة في هولندا، وكيف أن هناك بلدانا غير مسموح لها بذلك (كالمغرب والسنغال وغيرها) إلا لو كان الشخص مثليّاً أو متحولاً جنسياً، وكيف أن النزوح بسبب الرغبة في الارتقاء الاقتصادي ليست سبباً كافياً لنيل الإقامة. فالإقامة تمنح فقط حال القدوم من بلد مدمر؛ يعاني من الحرب أو التصفية العرقية والدينية.

يحاول المخرج جويدو هيندريكس، أن يقدّم تعريفاً لما شاهدناه لمدة ساعة وثلث. فعمله ليس وثائقيّاً بصورة صريحة. ولا ينشغل بقصة أو دراما أو شخصيات، فقط يوجد فيه ممثلٌ يؤدّي دوراً مكتوباً، ولكن، هذا أيضاً لا يجعله روائيّاً، لأن الشخصيات الأخرى من اللاجئين حقيقيّة، وتمثل نفسها. لذلك، في المشهد الأخير بين بطل الفيلم واللاجئين الثلاثة الأفارقة، يقول إنّهم يصنعون "فيلماً سياسياً مقالياً".

المساهمون