"حبيبتي رجعي ع التخت": طابع حميمي وأسئلة إشكالية

"حبيبتي رجعي ع التخت": طابع حميمي وأسئلة إشكالية

22 ديسمبر 2017
من المسرحية (فيسبوك)
+ الخط -
يمكن للألفة الظاهرة أن تخبئ جمر الشقاق. لا أحد ربما يبقى بمنأىً عن شكوك حارقة، أو ظنون تتحول فجأة إلى حقائق مريرة. هذا ما قد تفضي إليه مشاهدة مسرحية عُرضت قبل أيام في بيروت. لا تبخل لين (سحر عساف)، وجاد (إيلي يوسف)، تحت إدارة المخرجة لينا أبيض، بشيءٍ من دون استدعائه إلى ذاكرتهما ومخيلتهما، إذ يخوضان وجهاً لوجه صراعاً ليلياً مفاجئاً ينتهي بعد ساعة وربع نهاية صادمة وغامضة في آن (تختلف الخاتمة اللبنانية عن النسخة الأميركية التي بدت تقليدية، حسب رأي عساف).

ساعة وربع من سخاء حضور الجسد الليلي لزوجين ارتبطا عن حب منذ سبع سنوات ولديهما طفل يحضر طيفُهُ في حوارهما. حيوية لافتة، كرٌّ وفرٌّ عاطفيان ونفسيان، مضحكان وساخران، داخل حيز ضيق هو غرفة النوم لا غير. ندخل قلب الحدث منذ لحظة العرض الأولى، حينما تكتشف لين الأم والزوجة فجأة أنها لا تحس بأي عاطفة تجاه زوجها جاد، بل تنفر منه، وتراه غبياً. يتبادل الزوجان مواقع الحلبة – السرير الزوجي، التي تبدأ بالشك والحيرة ثم النفور والضيق إلى أن تختتم بقتل – انتحار ثنائي مزدوج (مع حضور حوار مفترض بين كريس ونور يتداخل مع حوار لين وجاد)، يبقى ملتبساً ومتداخلاً مع محاولات جاد ولين حل أزمتهما الطارئة والمتشابكة مع علاقاتٍ ربما تكون نشأت خارج إطار الزواج.
كل هذا لا يلغي الطابع الكوميدي لمسرحية "حبيبتي رجعي ع التخت"، التي عُرضت على مسرح المدينة في بيروت، عرضاً استعادياً بعد العرض الأول سنة 2012.
تقول الممثلة اللبنانية سحر عساف، لـ"العربي الجديد"، إنها وإيلي يوسف أصبحا أكثر عقلانية ونضجاً ومرونة في تعاملهما أثناء الأداء بعد مرور خمس سنوات على العرض الأول، إذ تعاونا خلال هذه المدة في أربع مسرحيات أخرى، ما خلق بينهما انسجاماً أعمق من ذي قبل.
ظاهرُ العرض الكوميدي الجذاب والمحكم، الذي ترجمته إلى اللهجة اللبنانية سحر عساف (بالتعاون مع طارق تميم)، عن نص غير منشور للكاتب الأميركي غريغ كاليراس، وغيرت عنوانه من "السحر الجميل" إلى "حبيبتي رجعي ع التخت"، الجملة التي ترد أثناء الحوار أكثر من مرة، لا يلغي هذا الظاهرُ عمقه النفسي وأغواره التي تقودنا من تفاصيل زوجية هامشية إلى مشكلة كبيرة وأزمة ثقة حادة تخلط الضحك وتمزجه مع الألم من غير انفصام: لمَ تخبو العاطفة، هل نصدق أوهامنا وشكوكنا، كيف يمكن لحل عقلاني نموذجي أن يقينا من ورطة لا نجد لها مخرجاً؟
الطابع الحميم والإشكالي للأسئلة والشكوك وجدَ معادله الموضوعي في طريقة العرض واختيار الصالة ومكان جلوس الجمهور. كان التقشف واضحاً وعارياً، والقرب جاء إلى أدنى نقطة ممكنة، فلا فاصل ولا مسافة بين العرض وجمهور يحيط بالممثلين من الجهات الأربع، فيما خشبة المسرح ليست سوى منصة خشبية – سرير يدل عليه شرشف أبيض كبير يتجعد ويتطاول ويُشَدُّ بين يدي كل من لين وجاد طوال العرض.
تقول سحر عساف إنهما مع المخرجة لينا أبيض "فضلوا الإيحاء بغرفة النوم من خلال حضور الشرشف، وهكذا تخلّوا عن الصيغة الأصلية للنص حيث توجد تفاصيل غرفة النوم كاملةً، كما أنهم بهذه الطريقة باتوا أقرب إلى روح المسرحية، وجعلوا المتفرجين على تماس مباشر مع حال الممثلين" اللذين ينقلبان من حال إلى حال بسرعة وتصاعد درامي لافت.
لم يلغِ الضحك وطأة الكابوس، ولا استطاعت الصراحة أن تنفذ إلى حل مثالي مأمول لم يكف جاد ولين عن مطاردته حتى آخر نفس. لكن الضحك قدم مثالاً بارزاً عن أقنعة تغلف حياتنا، بدءاً من الطابع الشكلي للإغواء الجنسي، انتهاء إلى ضغوطات الحياة اليومية وشعارات ثقافية خيالية تبدو أقرب إلى لغوٍ. هنا يسقط النموذج الذي نظنه حلاً، فالأجوبة العامة تفشل أمام أسئلة فردية شائكة، والصيغ الجاهزة الباردة أضعف من أن تجابه تجارب ساخنة وحقيقية.
يسمح الضحك، من دون أي تشيُّؤ للألم أو انتزاعه من مكانته الإنسانية، بتأمل الهاوية، كما يقدم فرصة ثمينة لإعادة النظر بما نظنه حباً نقياً أو واجباً زوجياً خالصاً.
"حبيبتي رجعي ع التخت"، عرضٌ يجمع الفكاهة إلى التراجيديا، والكآبة إلى ضحكات مشرقة، ومن خلال هذا المزج الرشيق والمتين، أعادتنا لينا أبيض وسحر عساف وإيلي يوسف إلى أنفسنا كي نكون حذرين، ولا تجرنا مقارنات في غير محلها إلى أكثر النهايات غموضاً وقسوةً.

دلالات

المساهمون