نظرية المؤامرة... كيف انعكست على الدراما العربية؟

نظرية المؤامرة... كيف انعكست على الدراما العربية؟

15 ديسمبر 2017
"باب الحارة" (LBCI)
+ الخط -
لم تجد الأنظمة العربية تبريراً أفضل من نظرية المؤامرة لتفسر بها انتفاضة الشعوب ضدها. فبعد أن اندلعت ثورات الربيع العربي، عادت نظرية المؤامرة لتحتل مكانة كبيرة في عقلية الأنظمة العربيَّة. وبات التسويق لها أمراً شائعاً في الوسائط الإعلامية التابعة للأنظمة الدكتاتورية الحاكمة، لتبرر تارةً فشلها في إرضاء شعوبها، وتخون تارةً المشاركين في هذه الثورات.
ونظرية المؤامرة ليست جديدة على العقلية السياسية الحاكمة، فمنذ بداية القرن الماضي يسود الاعتقاد في البلاد العربية والإسلامية بأن الدول الغربية تتآمر على العرب والمسلمين، وتهدف إلى تدمير الأخلاق والثقافة العربية الإسلامية، ونشر الفسق والانحلال، عن طريق استخدام وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والتلفزيون، وما يبثه من عروض وأفلام ذات محتويات تعتبر منافية للثقافة الإسلامية، ووصولاً إلى وسائل الإعلام البديلة ومواقع التواصل الاجتماعي التي تتحكم بها الدول الغربية بشكل مباشر. وهذا الاعتقادُ الذي بات الأساس الذي تبنى عليه المناهج الإعلامية في بعض الدول العربية، انعكس بشكل خاص في الدراما والسينما العربيتين في الأعوام الأخيرة، اللتين لعبتا دورهما في التأكيد على هذه النظرية؛ ومن أشهر الأفلام والمسلسلات العربية التي بنيت الحبكة فيها على نظرية المؤامرة:


فيلم "المشخصاتي 2"
ليس هناك ما هو أسوأ من التحول الذي طرأ على فيلم "المشخصاتي" بين الجزأين الأول والثاني اللذين تفصل بينهما 16 سنة؛ فالجزء الأول الذي تناول بقالب طريف قصة الشاب "شلبي" الموهوب الذي يستخدم موهبته للحصول على قوته اليومي، تحول في الجزء الثاني للحديث عن التدخل الأجنبي والمؤامرات التي شنتها الدول الغربية على دولة مصر في ثورة يناير وما تلاها من أحداث. ففي "المشخصاتي 2"، تقوم جماعة مجهولة بتجنيد "شلبي" لحسابها لخداع الغرب المتآمر، الذي يرغب في تدمير مصر؛ ويقوم "شلبي" في سبيل ذلك بتجسيد العديد من الشخصيات السياسية في المرحلة ما بين ثورة يناير وانقلاب السيسي، فيبدأ بتجسيد شخصية حسني مبارك، وينتقل لتجسيد العديد من الشخصيات المهمة في حزب الإخوان، وعلى رأسها محمد مرسي، ليشوه الفيلم التاريخ بطريقة هزلية تفتقد لروح الدعابة، وليظهر التاريخ المصري في هذه الحقبة أشبه بمسرحية، تحركها أيادٍ خفية، وعبرت بمصر من مرحلة مبارك الذي تعرض للمؤامرة إلى بر الأمان، الذي تنعم فيه بعهد السيسي.

سلسلة "باب الحارة"
منذ أن بدأت سلسلة "باب الحارة" سنة 2006 كانت الدراما في المسلسل قائمة على فكرة التآمر على حارة الضبع التي يعيش فيها الناس بمحبة وسلام، وتتمتع بالأخلاق الشرقية المثالية. ويتمُّ تنفيذ المؤامرات من خلال شخصية "داسوس" يتغير في كل جزء. ويساعد الداسوس السلطات الفرنسية التي كانت تحكم سورية في الزمن الافتراضي لأحداث المسلسل على الإيقاع بزعماء الحارة المناضلين الذين شاركوا في كل الحركات المحتملة ضد المحتل الفرنسي آنذاك. والأمر اللافت للنظر أن الرئيس السوري بشار الأسد استمد في خطابه الأول إبان انطلاق الثورة السورية كلمة "المندسين" التي وسم بها الثوار، من كلمة "الداسوس" التي كانت شائعة كشتيمة في الشارع السوري المتفاعل مع المسلسل. 
وفي الأجزاء الأخيرة، التي أنتجت بعد ثورة 2011، أفردت مساحات أكبر من الحوار في المسلسل للفرنسيين، الذين يظهرون وهم يتآمرون على "أبو عصام" وأعوانه، الذين تحولوا إلى أبطال قوميين، تصعب على الفرنسيين مواجهتهم.

مسلسل "تعب المشوار"
على الرغم من كثرة المسلسلات السورية التي بنيت حبكتها على نظرية المؤامرة، لكن يبقى مسلسل "تعب المشوار" الذي أنتج سنة 2011 أحد أكثر هذه المسلسلات مباشرةً بطرح النظرية. ويبدو ذلك واضحاً من خلال الصراع الذي تعيشه شخصية "شادي" مع محيطه، حيث يتوق "شادي" إلى السفر والعيش بالحرية الغربية، وتقوم باقي الشخصيات بمناقشته للعدول عن فكرته، وتشرح له كيف يتآمر الغرب علينا بمناسبة ومن دون مناسبة؛ وفي نهاية المطاف يسافر "شادي" ويندم على فعلته.

مسلسل "شيفون"
في سنة 2011 أيضاً، قام المخرج السوري، نجدت أنزور، بإخراج مسلسل "شيفون"، الذي قدمه تحت اسم دعم الممثلين الشباب. وفي المسلسل الذي لعب مصطفى الخاني دور البطولة فيه يصور الخاني كيفية تدخل الغرب بالعرب باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف قامت الثورة وحركات التمرد والانحلال في الداخل السوري بتوجيه خارجي، متمثلاً بالوسيط، مصطفى الخاني، الذي ساهم أيضاً في تغييب عقل الشباب من خلال تزويدهم بالمخدرات والحشيش.

فيلم "القرموطي في أرض النار"
في بداية هذه السنة، أنتج جزء جديد من سلسلة أفلام "القرموطي" للممثل المصري أحمد آدم. ويحاول آدم في فيلمه الجديد أن يبين دور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي صدرها لنا الغرب في الأحداث العربية في السنين الأخيرة؛ وحين يصل "القرموطي" إلى مناطق حكم داعش عن طريق الخطأ، يتلمس دور الغرب بتأسيس هذا التنظيم ودعمه. ففي أرض النار المزعومة، يلتقي قادة التنظيمات بالأميركيين الذين يدعمون داعش، البعيد عن ماهية الإسلام الحقيقية، ويحاول القرموطي أن يكشف الحقيقة لهم، وكيف شوّه الغرب ماهية الإسلام. وجدير بالذكر أن فيلم "القرموطي" بجزئه الأول لم يكن بعيداً عن نظرية المؤامرة بدوره، حيث صور الفيلم العراق إبان الغزو الأميركي، وظهرت في الفيلم شخصية "صدام حسين" المختبئ، الذي سبق أن تآمر مع الأميركيين.


دلالات

المساهمون