الدراما والتاريخ... تصرف فني أم تشويه متعمّد؟

الدراما والتاريخ... تصرف فني أم تشويه متعمّد؟

11 ديسمبر 2017
أخرج يوسف شاهين فيلم "الناصر صلاح الدين الأيوبي" (Getty)
+ الخط -
كثير من أحداث التاريخ صارت منطلقاً وموضوعاً للأعمال الفنية التي نالت شهرة واسعة وحققت نجاحاً كبيراً. غير أن تفصيل الحبكة الدرامية عادة ما يبتعد عن مطابقة الواقع التاريخي. وهو أمر يعود لأسباب متعددة يمكن للنقاد تفهمها، لكن تكمن المشكلة في أن الدراما تقوم بتشكيل وعي تاريخي جمعي، فالجماهير تكتفي بالدراما والمتعة، وليس من دورها أن تعود إلى المصادر الأصلية تستقي منها الأحداث كي تصوّب تجاوزات المخرجين وكُتاب السيناريو. وفيما يأتي أمثلة لبعض تلك التجاوزات الدرامية العربية والأجنبية. 

"الناصر صلاح الدين الأيوبي" (1963)
لم يخلُ الفيلم المصري الذي أخرجه يوسف شاهين من مغالطات تاريخية. مثل حكاية عيسى العوام (صلاح ذو الفقار) القائد المسيحي الذي وقع في حب ممرضة تعمل في "جيش الصليبيين" حين وقع في الأسر، كما أنه لم يهرب من عكا ليعود للمسلمين. وما يذكره المؤرخون هو أن العوام كان مسلماً ويعمل غواصاً، وقتل أو مات غريقاً بعد أن أصيب على شواطئ عكا. كما أن الملك الإنكليزي ريتشارد (حمدي غيث) لم يكن بهذا المستوى من النبل، فهو لم يقتل سبعين أسيرًا فقط، ولكنه قتل 2700 أسير كانوا مقيدين. أيضاً لا يعرف التاريخ أن صلاح الدين ذهب بنفسه ليعالج ريتشارد من إصابته. كما أن والي عكا (توفيق الدقن) لم يكن شخصية متآمرة، بل كان صديقاً مقرباً من الأيوبي، وقد عرف بشجاعته ودفاعه عن المدينة.

"وا إسلاماه" (1961)
أخرجه الإيطاليان إنريكو بومبا وأندرو مورتون عن رواية بنفس الاسم لعلي أحمد باكثير، وهو يضم الكثير من التجاوزات التاريخية. ينتقد الباحثون أن قطز لم يبعه خادمه المخلص لينجيه من التتار، فقد خُطف مثل غيره من الأطفال وبيع في سوق الرقيق. ولم يكن التتار يجوبون البلاد يبحثون عن الطفلين محمود وجلنار فهما لم تكن لهما قيمة عسكرية أو سياسية كي يهتم بهما التتار. أما جلنار زوجة قطز فقد ماتت قبل معركة عين جالوت، ولم تحمل الراية وتنادي بالمقولة الشهيرة "وا إسلاماه". ولم يأخذ قطز الحكم وفقاً لاختيار الشعب المصري المغلوب على أمره دائماً. لكنه استولى عليه كما هي عادة المماليك، بعد أن عزل الملك المنصور الذي كان عمره 17 سنة، تزامن ذلك مع فتوى من العز بن عبد السلام، واقتناع المماليك باختياره ليقود البلاد آنذاك.

"الشيماء" (1972)
اقتنص فيلم الشيماء للمخرج حسام الدين مصطفى مشهداً وجيزاً من كتب التاريخ، حيث تقول الرواية إن عجوزاً تدعى الشيماء سيقت مع السبي، وكان ذلك في مكان يدعى الجعرانة، وقد طلبت الدخول على النبي قائلة لأصحابه: "إني لأخت صاحبكم من الرضاعة". وهذه الرواية المشكوك في صحتها كانت النواة التي تأسس عليها العمل الذي يحكي قصة إسلام هذه المرأة ونضالها وجهادها. وهي جميعها من خيالات صناع الفيلم. وقد تسبب هذا الفيلم في ترسيخ تفاصيل الفيلم الدرامية باعتبارها واقعاً حقيقياً.

"أبوكاليبتو" (2006)
يتحدث الفيلم الذي أخرجه ميل غيبسون عن هروب رجل أميركي من قبائل أميركا الوسطى من آسريه كي لا يقدمونه أضحية بشرية لآلهتهم، ويتمكن البطل من إنقاذ عائلته التي أسرت لدى المايا بعد تدمير القرية وحرقها. ينقل الفيلم واقعاً مزيفاً حول المايا، فهم لم يكونوا أمة متوحشة وقاسية، بل يشهد مؤرخون محايدون أنها أمة صاحبة حضارة استمرت زمناً طويلاً قبل أن يقضي عليها الغزو الأوروبي. كما أن المايا لم يكونوا يقدمون قرابين بشرية، ولم يرتكبوا العديد من الأخطاء والجرائم التي وصموا بها.

"الساموراي الأخير" (2003)
يحكي الفيلم قصة ضابط سابق بالجيش الأميركي القديم ونائبه ضابط الصف، يقع عليهما اختيار اليابانيين ليدربوا الجيش الإمبراطوري الوليد. ينتقل الضابط ومساعده إلى طوكيو ويقومان بعملهما، ولكنهما يخسران في أول معركة؛ ويقع الضابط أسيرا لدى المعارضين الساموراي، الذين يعلمونه طريقة حياتهم ويلقنونه تعاليم الساموراي الأصلية بعد أن يعجبوا بشجاعته.
الفيلم يزيف مبدأً تاريخياً، يكاد يقترب من العقيدة؛ وهي أن اليابانيين لم يلجأوا أبدا للأميركيين ليدربوا جيوشهم، بل كانوا يستعينون دائماً بمدربين فرنسيين يجيدون استخدام السيوف والبنادق، ولهم خبرة تاريخية بالقتال وخاصة في آسيا.


المساهمون