موجي تعالي..."دي جي" في برلين بروح فارسيّة

موجي تعالي..."دي جي" في برلين بروح فارسيّة

20 نوفمبر 2017
هرب من إيران بعد الانتخابات عام 2009(العربي الجديد)
+ الخط -


انتقل إلى ألمانيا قبل 8 سنوات، هاربًا من إيران بعد الانتخابات عام 2009، حيث كان جزءًا من "التحرك الأخضر الإيرانيّ"، وما قبل الانتخابات، كان مجتبى تعالي (1980)، والمعروف باسم موجي، يعمل ضمن الحملة الانتخابيّة لصالح مير حسين موسوي، أحد منافسي محمود أحمدي نجاد آنذاك والذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية.

"حكومة نجاد كانت كثيرة الفساد، وموسوي كان البديل لهذا الوضع"، يقول موجي. بعد فوز نجاد بالانتخاب، "تغيّر كل شيء"، يقول موجي. ويضيف: "كان علينا أن نختفي لبضعة أيام، وذلك بعد ما بدأت حملة اعتقالات لأشخاص من الحملة الانتخابيّة، كما الطاقم الإعلاميّ، لهذا عرفت أني يجب أن أبتعد قليلًا. اختفيت لأيام ومن ثم عدت إلى طهران، إلى المظاهرات في الشوارع، كنا حوالي 3 ملايين متظاهر صامت في الشوارع".

لم يستطع موجي البقاء في طهران، تواصل عندها مع المسؤولين في إحدى الجامعات الألمانيّة في مدينة ماغديبورغ وأخبرهم برسالة عن وضعه السياسيّ. أخبروه بأن التسجيل للجامعات كان قد انتهى منذ فترة، كما أنه للحصول على موعد مع السفارة الألمانيّة سيحتاج من 3 إلى 4 شهور، لكن بسبب ظروفه السياسيّة، تم قبوله في الجامعة وحصل على موعد سريع مع السفارة، ووصل إلى ماغديبورغ وعاش فيها مدة عامٍ، "كانت سنة جيّدة، الوصول إلى هذه المدينة الهادئة قادمًا من الشوارع والمظاهرات، إلى مكان يركب فيه الناس على الدراجات الهوائيّة، وفيه الكثير من الحدائق العامّة، كان المكان مناسبًا للتفكير بكل ما حصل"، يقول موجي.

تكنو برلين وروح المدن البعيدة
في العام 2010، انتقل موجي إلى برلين، حاملًا معه مهنته في مجال الاتصالات كما الاقتصاد، الذي درسه في ألمانيا. لكن بعد سنوات قليلة، ترك كل شيء ليتفرّغ إلى الموسيقى بالدرجة الأولى.

"الموسيقى كانت دائمة الحضور في حياتي"، يقول موجي. ويتابع: "عزفت على آلات موسيقيّة عديدة أثناء وجودي في إيران، وعندما جئت إلى ألمانيا، لم أتعامل مع الموسيقى لمدة 3 أعوام تقريبًا، كنت أستمع فقط، ومن ثم أنشأنا فرقة موسيقيّة موجّهة نحو موسيقى التأمل، مع حوالي 50 آلة موسيقيّة، كان هدفها خلق جوّ هادئ ويتيح أحلام اليقظة أثناء الاستماع إلى الموسيقى، بلا أن تكون تحت تأثير النوم أو أي نوع من المخدرات".

من هذه الفرقة، وضمن أجواء برلين الموسيقيّة المعروفة بموسيقى التكنو (موسيقى إلكترونيّة راقصة) بغالبيتها، بدأ موجي مشروعه الموسيقيّ الخاص كمؤلف ودي جي قبل 4 سنوات. بالنسبة له، مهنته كـ دي جي هي بمثابة خليط من عوامل كثيرة، "أعتقد أني بعدما استمعت إلى أنماط موسيقى عديدة، أدركت أن هنالك نبضا وحسا إيقاعيّا (Groove) معيّنا بإمكاني تقديمه، وهو عبارة عن دمج بين ألحان شرقيّة وإيقاع التكنو الذي تعرفه وتعتاد عليه مدينة برلين. تحتوي معظم المجموعات الموسيقيّة التي أنتجتها على هذا الشعور وهذه الروح. كل هذا التكنو المظلم الحاضر هُنا، لو أضفنا إليه صوتًا ما، سيمنحه صورة حيّة وقوة بدلًا من أن تكون موسيقى مظلمة فقط"، يقول موجي.

امتدادًا لهذه الفكرة، وللموسيقى التي يعمل عليها دامجًا بين ألحان وأصوات شرقيّة، وخاصّة من بلاده، مدموجة بروح موسيقى مدينة برلين، يصف موجي شعوره عندما يلعب الموسيقى أمام حوالي 4000 شخص، وهو عدد مألوف في مهرجانات التكنو التي تشهدها برلين وضواحيها، ويقول: "في لحظات ما، وأنا ألعب الموسيقى وأنظر إلى العدد الهائل من البشر في الجمهور، الجميع يرقص على موسيقى تكنو، أشعر أن طاقة الناس هذه بإمكانها أن تكون طاقة احتجاج وتغيير، ولكن هذا لا يحدث في مثل هذه المواقف، لأن معظمنا يعيش في فقاعة تحمينا مما يحدث حولنا، وساحة الرقص هي بعيدة عما يحيطنا من أحداث، كأننا نعيش داخل حكاية خياليّة، وهذا أمر جيد، لكني أحتاج دومًا لدمج مواضيع وقصص معينة في موسيقى التكنو، والتي تعيدنا إلى الواقع والحقيقة، وهذا هو مكاني".

ولذلك، يبني موجي كل مجموعة موسيقيّة وفقًا لقصّة ما، وأحيانًا وفقًا لموضوع ما، سواء طُلب منه ذلك من قبل الجهة الداعيّة، مهرجانات كانت أم غيرها، أو حين يختار ذلك بدوره، وبالتالي، تكون المجموعات الموسيقيّة عبارة عن سرده لقصّة ما حسب رؤيته الذاتيّة والموسيقيّة، حيث تحتوي الكثير من الألحان الشرقيّة، إنّ صحّ التعبير، أو الأصوات، سواء بالغناء أو بتسجيل لقصائد بالفارسيّة على وجه الخصوص.


إيران، سياسة وثقافة.

كان قد ذهب موجي قبل أيام إلى طهران، حيث لعب الموسيقى في حفليْن هناك، "من الغريب رؤية ما كنت أفعله في طهران قبل مغادرتها وماذا عُدت لأفعل هناك قبل أيام. هذه المرة، وحين كنت أمشي في شوارعها، عادت كل الذكريات إليّ، إلى فترة نظمنا فيها مظاهرات كي لا تصل بلادنا إلى وضع أسوأ، لكن، نحن الآن في هذا الواقع"، يقول موجي.

في حديثه عن إيران، كان الواقع السياسيّ حاضرًا، "إيجاد النفط في هذه البلاد دمّر كلّ الأجندات السياسيّة من أجل الحريّة"، يقول موجي. ويتابع: "الدولة الإيرانيّة اضطهدت لسنوات على يد قوى أجنبيّة للحصول على موارد، الثورة الإيرانيّة كانت ضد الرأسماليّة، وانخراط كل فئات المجتمع جعلها ثورة تمامًا. المثير للشفقة، بأن عاميْن بعد الثورة، وجد الإيرانيون أنفسهم في خضم حرب طويلة، مما جعلها تنهار مرة أخرى على كل المستويات، منها الاقتصاديّة. هذا بالإضافة إلى كل الأخطاء السياسيّة التي فعلتها. كل هذا، أعطى الدولة حجة لفعل ما ترغبه، وبدأت تنادي على العالم الخارجيّ الغربيّ على أنه عدو، وبالمقابل قمع الناس. وبنفس الوقت، الإعلام الغربيّ وأجندته دفع العالم لأن يكون ضد إيران، وتحويلها إلى شيطان".

على الرغم من الواقع السياسيّ الذي تعيشه إيران، يرى موجي أن هذا لم يغيّر الواقع الثقافيّ، بحسب تعبيره، فقصائد الشاعر الإيرانيّ حافظ الشيرازيّ، والتي كتبها قبل 800 عام، ما زالت تُقرأ، "رومانسيّة قصائد حافظ لا زالت حيّة في حياة الناس"، يقول موجي. ويضيف: "والغناء التراثيّ الإيرانيّ، موجود في الحياة اليوميّة. لربما الصورة العالميّة للدولة الإيرانيّة تنهار، خاصّة في عقول الناس التي ترى الأمور بالأبيض والأسود، وصفها بالجيدّة والسيئة في الإعلام الغربيّ، خاصّة في ظلّ وجود حكومة ديكتاتوريّة. لكن ما هي حقيقة الحياة والناس هناك؟ خلال السنوات السبع الأخيرة التي عشتها في برلين، أستمع إلى رغبة العديد بالسفر إلى إيران ومعرفتها، ولربما هذه الرغبة هي نتاج الإعلام الافتراضيّ وأثره على الناس".

تواصل حديثنا عن إيران إلى العالميْن، إلى الفضاءات العامّة وبالمقابل الخاصّة، وهي معادلة قائمة في دول عديدة بالعالم، هذا الاختلاف الذي تفرضه قوانين سياسيّة واجتماعيّة على حياة البشر في الفضاءات العامّة، مقابل حياتهم داخل الجدران. "لإيران وضع خاص جدًا، للدولة رواية مختلفة عن رواية الناس"، يقول موجي. ويتابع: "المثال الذي يمكن أن نعطيه اليوم عن الحجاب المفروض على النساء، يسري على تفاصيل حياة عديدة للإيرانيّين. العديد من النساء اللواتي يرتدين الحجاب في الفضاء العامّ، لديهن حياة مختلفة داخل بيوتهن، ولا يهتممن أن يلبسن الحجاب حتى بغياب المحرم. وهذا بالإمكان تطبيقه على تفاصيل حياة عديدة. السرد الرسمي للناس هو ضد الرأسماليّة، وبالمقابل، ومع وجود التكنولوجيّا وتوفّرها في حياة الناس، أصبح هنالك شبابيك مفتوحة على ما يحدث في العالم، وهذا حمل لقاءات الناس في الفضاءات الخاصّة إلى تنوّع في الحديث وأشكال الحياة، أصبحت الحياة مفتوحة على أفكار جديدة، بما في ذلك نقاشات حول سورية، فأصبحت الناس تبدي رأيها الشخصيّ إزاء ذلك، وتفرض الأسئلة تجاه الحقائق أكثر مما تقبل حقائق على يد إعلام مجنّد، وهذا ما يجعل المجتمعات داخل الفضاءات الخاصّة مختلفة ومتنوعة".

في صفحته عبر موقع "ساوند كلاود"، نجد مجموعتيْن تحمل الاسم "صوت نساء إيرانيّات"، وهي عبارة عن مجموعة تضمّ أغاني لمغنيات إيرانيّات، قام موجي بتجميعها ونشرها. كان موضوع التمييز ضد النساء، هاجسه وقلقه منذ أن كان مقيمًا في إيران، ويحضر أيضًا في المشاهد الثقافيّة والفنيّة في العالم عمومًا. "على مستوى شخصي في إيران، نسمع أصوات نساء تغني"، يقول موجي، ويتابع: "لكن عمومًا، تمنع الحكومة الإيرانيّة بيع أو توفّر منتجات موسيقيّة تحمل أصواتا نسائيّة".

أشار موجي إلى أن معظم محلات بيع الموسيقى يسيطر عليها الرجال، وبالعموم، من لديه إمكانية الوصول إلى الإنترنت، من الصعب عليه إيجاد أغانٍ لمغنيّات إيرانيّات. ويتابع: "بالمقابل، هنالك طلب عند الناس للوصول إلى هذه الأغاني، لو كانت لديهم الفرصة. صعوبة الوصول إلى أغانٍ لنساء مع طلب الناس المتزايد، أوصلتني إلى قرار بإنشاء منصة تجمع وتعرّف بالمغنيات الإيرانيّات وتعمل على إيصال أغانيهن إلى الناس مباشرة من خلال حواسيبهم وهواتفهم، أي إلى بيوتهم وحياتهم الخاصّة. هذا كله مربوط بواقع المرأة في إيران، فمع التغيير الاقتصاديّ، العديد من النساء بدأن يعملن، مما أصبحن أكثر استقلاليّة، كما نضال النساء المستمر لنيل حقوقهن، وإدراكهن لقوتهن على التغيّير، كل هذا تأثيره واضح مؤخرا".


برلين الناس
يرى موجي أنه تكيّف سريعًا في برلين، يصفها بمدينة فيها أقل حكم على الناس، "أشعر بأني أستطيع أن أكون كما أريد"، يقول موجي. "على الرغم من أن المدينة فقيرة، والكل يعرف ذلك، لا من أموال كثيرة هنا، لكن بنفس الوقت هنالك وقت للأصدقاء، وهم بدورهم يعطونك وقتًا بالمقابل، وهذه من أكثر الأشياء قيمة، الأموال تأتي في المرتبة الثانية"، يقول موجي.


علاقته مع برلين اليوم منسوجة بحالة التفهم التي بنُيّت على مدار السنين، في المدينة التي عاشها قبل برلين، ماغديبورغ، مرّ موجي بتجارب مزعجة، خاصة عندما التقى ببعض الناس لأوّل مرة، وعرّف نفسه على أنه من إيران، فأخذوا مسافة منه، حسب تعبيره. "جعلوني أفكر بأني لربما جئت من دولة درجة ثانيّة، حسب وجهة نظرهم، وحاكموني وفقًا للمكان الذي جئت منه، بلا أن يروا قيمتي كإنسان، ووضعوا غطاءً على وجوههم مكوّنا من وجهة نظرهم المغلوطة بالأغلب عن إيران، لأنهم كانوا عنصريّين"، يقول موجي.

ويتابع: "في برلين، هذا يحدث أقل، لكن بإمكانك رؤية مقدار ضئيل منه. هنالك بعض الناس، يبنون جدارًا بينهم وبين آخرين، كلي أمل أن خلال 100 عامٍ لن يرى الناس هذا الجدار. كنت في مواقف فيها تمييز عنصريّ، لكن في برلين هذه المواقف أقل من أماكن أخرى، كما أن قضيّة التحرّش الجنسيّ هنا هي قضيّة كبيرة، لكن هنالك نماذج كنت شاهدًا عليها، وبالتالي، هذا لا يقول إن الجنة هنا وجهنم هناك".

المساهمون