"عَ العصفورية" بدلاً من "قولوا لقطر"

"عَ العصفورية" بدلاً من "قولوا لقطر"

20 نوفمبر 2017
اعتبرت "بياع كلام" أغنية سياسية (فيسبوك)
+ الخط -


عندما سئلت المطربة صباح (جانيت فغالي) في أحد اللقاءات التلفزيونية عما إذا كانت قد غنت أغاني سياسية أجابت مازحة: "كيف ما غنيت؟ لكان أغنية "عَ العصفورية" شو؟". ربما كان المغزى من كلام الصبوحة أن السياسيين مثل العشاق، سيذهبون في خاتمة المطاف إلى مشفى الأمراض العقلية.

وعلى كل حال فهي لم تكن تدري أنها قد غنت أغنية سياسية جريئة أخرى هي أغنية "بياع كلام"، والتي قال عنها الملحن حلمي بكر، إن الرقيب المصري اعتبرها أغنية سياسية ومنع بثها في الإذاعة المصرية لعدة سنوات، نكاية بالنظام العراقي الذي كان يبث "بياع كلام" فور انتهاء خطابات الرئيس المصري جمال عبد الناصر.

لم تهتم "الصبوحة" لهذا المنع، لأنها اعتادت على منع بعض الأغاني التي لحنها ملحنون كبار لأسباب غير سياسية، بذريعة أن فيها الكثير من "الغنج" الذي كان بعض الرقباء يعتبرونه مسيئاً للآداب العامة، كما هو الحال مع أغنية "من سحر عيونك ياه" التي لحنها محمد عبد الوهاب، وأحياناً يكون المنع بذريعة أن كلمات الأغنية تخدش حياء المستمعين، كما في أغنية "ما بيسايل شب واستحلى" التي لحنها فيلمون وهبي الذي لحن لصباح أكثر من مئتي أغنية.

وأما الشفاعة لصباح عند الوحدويين والناصريين من موضوع الغنج وهجاء الزعماء فهو مشاركتها في أوبريت "وطني حبيبي الوطن الأكبر" عام 1960 الذي أبدعه محمد عبد الوهاب وهو يحلم بالوحدة العربية، ويختتم بعبارة "حلو يا مجد.. يا مالي قلوبنا، حلو يا نصر.. يا كاسي رايتنا".

ويكفي أن نعرف أن بعض الناس كانوا يقولون هازئين إن أوبريت "وطني حبيبي" قد أعاد الغناء الوطني إلى جادة الصواب، وإلى الغاية المطلوبة منه، وهي مديح الزعيم الذي لم تنجبه وَلَّادة، والتهديد والوعيد للأعداء المتربصين بالأمة العربية، وأن المساحة الممتدة من نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان هي بلاد العرب أوطاني.

لكنّ الطريق من نجد إلى تطوان قطعته إسرائيل، وهذا ما أدى إلى نشر ظاهرة الغناء الثائر، فالشيخ إمام اعتاد أن يغني للشعب وليس للزعماء، وهو رائد هذا اللون من الغناء الذي غنى لفلسطين من كلمات الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم "يا فلسطينية والبندقاني رماكو، بالصهيونية، تقتل حمام في حداكو، ناري في إيديه.. وإيديه تنزل معاكو"، وسخر في أغنيتين جميلتين أخريين من رئيس أميركا ريتشارد نيكسون، ومن الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان.

ولا ننسى مارسيل خليفة الذي كانت أغانيه سبباً في تشكيل الروح الثورية عند الشباب العربي في فترة الثمانينيات، من خلال تشجيعه النضال الوطني والنهوض للثأر من الأعداء، واعتبار القضية الفلسطينية هي قضية العرب أجمع، وأن الثائر الحقيقي يكون منتصب القامة، مرفوع الهامة، يحمل غصن الزيتون بكفه، ونعشه على كتفه.

ولكن، بعد أن اشتعلت الثورات العربية، تحول بعض المطربين إلى أبواق للحاكم، فإذا عزم الواحد منهم أن يغني أغنية وطنية، فآخر ما يذكر فيها هو الوطن، وهو يعتبر أن "تيرمومتر" الوطنية هو مقدار كرهه لأخيه في سبيل مرضاة حاكمه.. فتجشم لفيفٌ من نجوم الغناء في الخليج عناء "وصلة ردح لدولة قطر" على مرحلتين أولاهما كانت سعودية بعنوان "عَلّمْ قطر" ثم جربوا الوصفة الإماراتية بالتهديد غير المباشر بأغنية "قولوا لقطر" لكن أحداً لم يدر من هؤلاء المأمورون بالقول.




المساهمون