"أخضر يابس": طموح تقني ونهاية مبتورة وعيوب مزمنة

"أخضر يابس": طموح تقني ونهاية مبتورة وعيوب مزمنة

13 نوفمبر 2017
فاز محمد حماد بجائزة أفضل مخرج بمهرجان دبي (Getty)
+ الخط -
خلال السنوات العشر الماضية، حدث حراك في السينما المصرية، بفعل التطورات التكنولوجية والتقنية التي أدت لانخفاض الكلفة الإنتاجية للفيلم السينمائي، واحتمالية خروجه للنور على أكتافِ صناعه بعيداً عن حسابات واعتبارات السوق التجاري والشركات الكبرى. مما سمح بوجود حقيقي لـ"أفلام مستقلة"؛ منخفضة الكلفة، بمساحة حرية وتجريب أكبر، تبحث عن لغة سينمائية مختلفة عن السائِد. وكان بداية ذلك هو فيلم "عين شمس" لإبراهيم البطوط عام 2008، وكانت نقطة الذروة الأهم هي فيلم "الخروج للنهار" لهالة لطفي في 2012، وأخيراً هناك فيلم "أخضر يابس" للمخرج محمد حماد، الذي افتتح عروضه في مهرجان "لوكارنو"، قبل أن يفوز بجائزة أفضل مخرج في مهرجان دبي، ويصل أخيراً إلى دور السينما المصرية. 


مواجهة التقاليد الاجتماعية
وعلى الرغم من المحاولة القوية من قبل حماد لتقديم فيلم أقوى تقنياً، على مستوى شريطي الصوت والصورة، من الأفلام المصرية المستقلة التي ظهرت خلال العقد الأخير، إلا أنه مع ذلك ظل مقيداً ببعض أزماتها وعيوبها الكبرى. يحكي فيلم حماد عن "إيمان"، الفتاة الثلاثينية التي تدور في روتين يومي بين عملها في محل حلويات وبيتها الكئيب مع أختها الصغرى "نهى". مع مشاهد الفيلم الأولى نكتشف انقطاع دورة "إيمان" الشهرية بشكل مفاجئ، وتوترها من هذا الأمر، في الأيام التي تسبق حضور عريس لـ"نهى"، وضرورة بحث الأختين اللتين تعيشان بمفردهما عن "رجل" من العائلة ليقوم باستقبال أهل العريس كما تقتضي التقاليد الاجتماعية. ومن خلال الرحلة بين بيوت الأعمام لإيجاد مُستضيف، والضغوطات النفسية التي تمر بها جراء ما يحدث لها بيولوجياً، تضيق على "إيمان" دوائرها المعتادة.

فرض الإيقاع الهادئ
في أغلب الأفلام المستقلة المصرية يكون الخيار الآمن للمخرج هو تهدئة الإيقاع والاعتماد على البطء وعلى الحركة في زمنٍ ميت، وفرض هذا الإيقاع على الممثلين وأدائهم وشكل الحوار الذي ينطقون به، خصوصاً أنهم في أغلب الأحيان، وكما في "أخضر يابس"، يمثلون للمرة الأولى. ومشكلة هذا الخيار هو أنه مَفروض على الحكاية، وليس جزءاً منها. لحظات الصمت الطويلة، والثواني التي تسبق كل جملة حوار، بل طريقة الحوار نفسه وتقليله إلى درجة التعامل بالإشارات وكلمة أو كلمتين في بعض الأحيان، وفي فيلم يفترض أنه "واقعي"، يدور في صخب القاهرة وضغوطاتها وشوارعها، وفي طبقة متوسطة، أو أقل، يحاول ديكور الفيلم والملابس أن يخلقاها بواقعية قحة طوال الوقت. لماذا يتم اختيار طريقة أداء وتمثيل مناقضة لكل هذا؟

غياب المشاهد الانفعالية
في كتابه "فن الإخراج السينمائي" يقول، سيدني لوميت، إن إدارة انفعال الممثل أصعب كثيراً من سكونه، وإن المشاهد الحوارية الصاخبة في أفلامه هي الأكثر إرهاقاً على الإطلاق، وواحدة من أكبر عيوب السينما المستقلة في مصر، و"أخضر يابس" آخرها، هو عدم خوض التحدي الانفعالي، وعدم أخذ خيار الواقعية للنهاية، بما فيها طريقة كلام الناس وتعبيرهم عن أنفسهم، والمَيل لصورة سينمائية تميل أكثر لتيار وجماليات الأفلام الأوروبية، لتكون النتيجة هائمة في المنتصف؛ بين "محتوى" و"حكايات" و"بيئة" واقعية، وشكل سينمائي وتمثيلي غير واقعي على الإطلاق.
الأمر الأكبر أن الفيلم لا يغلق قوس الحكاية التي يسردها بشكل جيد أو مفهوم، فمع التزامه بـ"الواقعية الاجتماعية"، والحركة في إطار محكوم بـ"تقاليد المجتمع" التي تحتم وجود "رجل" في البيت أثناء استقبال العريس، يأتي في النهاية ويجعل الشخصية تقوم بخيار غريب للغاية وهو أن تفقد عذريتها بنفسها بعد اكتشاف توقف دورتها للأبد وعدم قدرتها على الإنجاب.

تناقض بين الشكل والمضمون
من ناحية درامية وسينمائية: هل هذا القرار فعلاً ينتمي لشخصية "إيمان" وطبقتها الاجتماعية؟ هل هناك أي تفصيلة أخرى يبدو فيها تحدي "إيمان" للمجتمع خلاف تلك التفصيلة المبتورة التي تأتي تماماً من خارج الشخصية؟ ما الذي يؤدي إليه هذا الفعل في رحلة الشخصية الدرامية؟ وحتى لو فرضنا أن ذلك هو قرار المخرج نفسه لشخصياته، وأن هذا الفعل يحمل رؤية رمزية وفكرية، يظل التشوش قائماً، فما هي رمزية خرق العذرية؟ هل تلك هي طريقتها في التحدي المجتمعي؟ ألا يحمل ذلك رؤية ذكورية جداً تجاه الشخصية وعالم الفيلم؟ واختصار كل ما يخص غضبها وحِملها في غشاء البكارة الذي تخدشه بنفسها؟ تورّط النهاية المبتورة الفيلم، تجعله مشوشاً تماماً وغير مفهوم، يشعر المشاهد بعد انتهائه بعدم قدرة على فهم الشخصية التي تفاعل معها ومع حياتها اليومية على مدار ساعة وثلث، فربما لو قامت بفعل خارجي بشأن حياتهم، مثل مقابلة العريس دون رجل وتجاوز تلك الأزمة، أو التعبير عن غضبها وثورتها أمام أختها نتيجة كل الضغوط التي تمر بها خلال الأحداث، لكان ذلك مفهوماً ويجعل الفيلم، رغم عيوبه الإيقاعية والأدائية، والتناقض بين شكله ومضمونه، يتجه نحو قصة مُغلقة. ولكن قرار حماد باختصار كل شيء في غشاء البكارة كان مزعجاً وموتّراً، ولا يُبقي في الذهن غير التشوش وعدم استيعاب الشخصية أو الفيلم.
ورغم ذلك يبقى "أخضر يابس" خطوة للأمام، على المستوى التقني على الأقل، ومساحة العناية بالصورة والصوت، وهو أمر يستحق المديح بالنظر لكون الفيلم أنتج بميزانية منخفضة للغاية، وبعيداً عن أي دعم خارجي.




دلالات

المساهمون