التحريك في وثائقيات عربية: جماليات الفن

التحريك في وثائقيات عربية: جماليات الفن

13 نوفمبر 2017
التحريك في "اصطياد أشباح" لرائد أنضوني (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
يُثير عرض "المطلوبون الـ18" (2014)، للثنائي الفلسطيني عامر الشوملي والكندي بول كووان، في مؤتمر "انتفاضة 1987: الحدث والذاكرة" (بيروت)، سؤال الاستعانة السينمائية بفنّ التحريك في أفلامٍ وثائقية عربية. فالوثائقيّ العربيّ يستفيد من هذا الفن السينمائيّ، بجمالياته الدرامية والبصرية، في تحقيق أعمالٍ تتحرّر من سطوة الريبورتاج التلفزيوني، وتلتزم قواعد الاشتغال السينمائيّ المتخيّل. 

ومع أن السينما الغربية متمكّنة من هذا الخلط الفني بين التحريك والوثائقيات، في أفلامٍ تعاين أحوال أناس وبيئات ومسائل مختلفة؛ إلاّ أن السينما العربية متأخّرة، زمنياً، في ذلك، من دون التغاضي عن التقدّم اللافت للانتباه في تحقيق أفلام تحريك، وفي تنفيذ مشاهد كاملة بفنّ التحريك في وثائقيات مختلفة، تستعيد ذاكرة فردية للتنقيب في حالة جماعية، أو تخترق الممنوع والمسكوت عنه في ماضي مجتمعات، كي توثِّق الحكايات الشفهية، سينمائياً.

ليس "المطلوبون الـ18" أول وثائقيّ عربيّ يستخدم التحريك، في استعادته حراكاً مدنياً في "بيت ساحور" الفلسطينية، لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، بعد عامٍ على اندلاع "انتفاضة الحجارة" (1987 ـ 1993). ففيلما "موج" للمصري أحمد نور و"النادي اللبناني للصواريخ" للّبنانيين جوانا حاجي توما وخليل جريج مُنتجَين عام 2013؛ في حين أن "عجلات الحرب" للّبناني رامي قديح مُنتجٌ عام 2015؛ و"اصطياد أشباح" للفلسطيني رائد أنضوني يُعتبر الأحدث زمنياً (2017).

وإذْ يبدو المشترك الفني بين هذه الأفلام معقوداً على فنّ التحريك، كما على استعادة أزمنة وحالات موغلة في ذاكرة بلادٍ ومجتمعاتٍ وأفرادٍ؛ إلاّ أن أنماط الاشتغال مختلفة، وأهداف الاستخدام متنوّعة.

فتحريك "النادي اللبناني للصواريخ" (قصة حقيقية عن طلاب جامعيين لبنانيين صنعوا صاروخاً، في خمسينيات القرن الـ20)، الذي يُشكِّل الفصل الأخير منه، ذاهبٌ بجمالياته الفنية واللونية والبصرية إلى السخرية من مصير التجربة، التي حاربها كثيرون في لبنان ودول الجوار، خوفاً من تطوّرها. وهو، بهذا، يُشبه حضوره في "المطلوبون الـ18" (مقاومة سلمية في بيت ساحور للاحتلال الإسرائيلي). بينما يحضر هذا الفنّ في "موج" (ذاكرة فرد وجماعة عن السويس، منذ الاحتلال الإسرائيلي إلى التهميش المصري) و"عجلات الحرب" (مقاتلون لبنانيون سابقون يلتقون حالياً على هوسٍ جمالي بدراجات "هارلي دفيدسون") كتعبيرٍ عن حالات نفسية وإنسانية واجتماعية، وأحلامٍ متحوّلة إلى كوابيس، ومتاهاتٍ متأتية من أهوال ماضٍ ومآسيه.

والاستعانة بالتحريك نابعةٌ من حاجةٍ ذاتية للمخرج، تتمثّل بهوسٍ فني إبداعي به، أو برغبة في اختباره؛ أو من متطلبات درامية أو فنية أو جمالية، يراها المخرج أساسية في مشروعه؛ أو مجرّد مزاجٍ يرى التحريك محاولةً لفهم قدراته على إكمال النصّ الوثائقي، وحكاياته ومناخاته وتأمّلاته.



دلالات

المساهمون