القهوة العربية... شريكة الخليجي في الأفراح والأحزان

القهوة العربية... شريكة الخليجي في الأفراح والأحزان

15 أكتوبر 2017
تقدم القهوة في كل المناسبات (معتصم الناصر)
+ الخط -
رياح التغيير والتطور التي هبّت نحو المنطقة العربية، تركت أثرها في كثير من جوانب الحياة، واستطاع التقدم التقني "التكنولوجي" أن يغير عادات وتقاليد كانت إلى وقت قريب، خطاً أحمر، فدخول الإذاعة والتلفاز إلى بيوتنا، وبدون استئذان، ألغى دور الراوي وحكايا الجدات، وسهرات السمر عندما يتحلق الجمع حول صدّاح الموال، وعازف الناي والمجوز والربابة، واليوم مع الهاتف المحمول وشبكة الإنترنت التي كانت أرضية لما بات يعرف بمواقع التواصل الاجتماعي، سُحب البساط من تحت المجالس أو "الديوانيات". أمام كل ذلك صمدت القهوة العربية، وبشكل أدق ما زالت صامدة حتى اليوم، أقله في قطر، وما زالت تحظى بقيمة تراثية كبيرة في العادات والتقاليد العريقة بمنطقة الخليج العربي. 

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2014، أدرجت اللجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، القهوة العربية، في القائمة التمثيليّة للتراث الثقافي غير المادي للمنظمة. وجمع "ملف القهوة" الذي قدمته قطر بالاشتراك مع دول خليجية أخرى، إلى "يونسكو"، مختلف تفاصيل الكرم العربي من خلال معاني الجود وإكرام الضيف وحل المشاكل بين المتخاصمين، واعتبر من الملفات ذات الطابع العالمي لانتشار القهوة في مختلف دول العالم، ويعكس مدى التبادل الحضاري بين مختلف الثقافات.

ويقول الباحث القطري في التراث الشعبي، خليفة السيد المالكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن القهوة ارتبطت بشكل وثيق بالتراث العربي والخليجي على وجه الخصوص، ويبدأ المواطن القطري قديما يومه مع القهوة وبها يستقبل ضيوفه ويكرم زواره، شاركته في الأفراح والأحزان، في الوحدة والسمرات والتجمعات، كانت عنوان الكرم والأصالة، وفي حضرتها تعقد الاتفاقات وتحل النزاعات والمشكلات. وأضاف حتى عندما بدأنا نعرف الشاي ونستخدمه أصبحنا نسميه "القهوة الحلوة"، لأنه يستخدم السكر في تحليته وليس مثل القهوة، فحتى اسم "الشاي" لم يكن موجودا. وقديما كانت الناس تفطر صباحا على القهوة ومعها التمر حتى ولو توفرت أرقى وألذ الحلويات.

وحول طرق وأدوات صنع القهوة، يوضح المالكي، توضع كمية من "القهوة" البن في "المقلاة" وهي وعاء مقعر وله يد طويلة، وهي مصنوعة من الحديد أو الصاج المقعر، وتقلب بـ "المحماص" وهو يشبه الملعقة لكن بيد طويلة حتى لا تلسع النار يد من يقوم بالتحميص، ويكون مسطحا ومصنوعا من النحاس أو الحديد، وخلال التحميص يؤدي المحمص بعض الأغاني الشعبية، ويظل يقلبها حتى تأخذ اللون المطلوب، بنيا غامقا أو فاتحا، ثم يتركها حتى تبرد ليدقها في الهاون، ثم توضع في الدلة وتطبخ.

وثمة طقوس خاصة في ضيافة وتقديم القهوة العربية، عند الصب يجب الإمساك بالدلة وتكون باليد اليسرى والفناجين باليد الأخرى، لأنه لا بد أن تقدم القهوة للضيف باليد اليمنى ويأخذها أيضا الضيف بيمناه.

وبحسب المالكي، يتعين أن تكون الدلة لأعلى والفنجان بعيدا عنها وتصب القهوة فيه مثل الخيط، ويضرب الفنجان في (خشم) الدلة ليصدر صوتا خفيفا كان الهدف منه قديما تنبيه الضيف بقدوم القهوة، لكنه أصبح من طقوسها، كما تستخدم قطعة من الليف نظيفة توضع على مكان الصب في الدلة بهدف الفلترة وتصفية أية شوائب مثل الزعفران والهيل.

ويكشف الباحث في التراث الشعبي سر هز الفنجان للمقهوي، بقوله إن هذه العادة ظهرت عند العرب قديما، لأن وجهاء المجالس يسندون عملية صب وتقديم القهوة في مجالسهم إلى شاب أبكم، حتى لا يتنصت لأحاديثهم ولا يُفشي أسرارهم. وحتى يعلم "القهوجي" أن الوجيه اكتفى من قهوته، يهزفنجانه كدلالة مرئية على الاكتفاء، وبقي هذا الطقس إلى يومنا هذا.

وردا على سؤال حول ما يميز القهوة العربية عن شقيقاتها في الخليج، قال خليفة المالكي، إن قهوة أهل قطر تختلف عن القهوة العربية باللون فتكون بنية فاتحة وليست غامقة مائلة إلى السواد، كما في السعودية والإمارات والكويت، إلى جانب أن القطريين يضيفون إليها الزعفران وماء الورد والهيل، وأحيانا المسمار (القرنفل)، ولا يدعونها تحترق.

وجعل العرب اعتبارات لعدد الفناجين التي يتناولها الضيف، ابتداء من الفنجان الأول إلى الرابع، ويعرف الفنجان الأول بـ"الهيف"، وهو الفنجان الذي يحتسيه المعزب أو المضيف قبل تقديم القهوة لضيوفه، وقديما كانت هذه العادة عند العرب ليأمن ضيفهم أن تكون القهوة مسمومة، ويسمى الفنجان الثاني "الضيف"، وهو الفنجان الأول الذي يقدم للضيف، وهو واجب الضيافة، وكان الضيف قديما في الباديه مجبرا على شربه إلا في حاله العداوة أو أن يكون للضيف طلب صعب عند المضيف، فلا يشربه الا بعد وعد من المضيف بتلبيته، وكان من عظائم الأمور أن يزورك شخص في بيتك ولا يشرب فنجانك الا بعد تلبية طلبه.

ويعرف الفنجان الثالث بـ"الكيف"، وهو الفنجان الثاني الذي يقدم للضيف ولا يضير المضيف إن لم يشربه الضيف، إنما هو مجرد تعديل كيف ومزاج الضيف، وهو أقل فناجين القهوة قوة في عادات العرب. أما الفنجان الرابع فهو"السيف"، وهو الفنجان الثالث الذي يقدم للضيف وغالبا ما يتركه الضيف ولا يحتسيه، لأنه أقوى فنجان قهوة لدى عرب البادية ويعني أن من يحتسيه فهو مع المضيف في السراء والضراء ومجبر على الدفاع عنه بحد السيف وشريكه في الحرب والسلم. فقد كان هذا الفنجان عبارة عن عقد تحالف عسكري ومدني وميثاق أمني ما بين الضيف والمضيف.

ومن أهم قواعد تقديم القهوة للضيوف ألا يملأ المضيف الفنجان بالقهوة، فكلما قلت كمية القهـوة في الفنجان، دل ذلك على شدة الكرم، ويجب أن تكـون الكمية المقدمة للضيف في حدود ثلث الفنجـان فقط، أما إذا وصل مستوى القهـوة إلى نصـف الفنجـان فأكثر، فهذا يدل على أن هذا الضيف غير مرحب به من قبل المضيـف، وعليه أن يغادر سريعا.


دلالات

المساهمون