نوار بلبل: تبحث الجهات الداعمة عما يناسب أجنداتها

نوار بلبل: تبحث الجهات الداعمة عما يناسب أجنداتها

16 يناير 2017
مشهد من مسرحيّة "شكسبير في الزعتري" (العربي الجديد)
+ الخط -
لم يمُت المسرح السوري رغم الشتات الذي يعاني منه السوريون، فالمخرجون المسرحيون يقدّمون هنا وهناك عروضاً مسرحية باستمرار. وفي الأردن، تعتبر تجربة نوار بلبل المسرحية هي الأكثر نضجاً. وقد التقى فريق "العربي الجديد" المخرج نوار بلبل، ودار الحوار التالي:

- يبدو أن المسرح السوري اتجه، في سنين ما بعد الثورة، نحو الهواة، فأغلب التجارب التي يقدمها السوريون هنا وهناك، تعتمد على الممثلين الهواة، بما فيها عروضك المسرحية الثلاثة، فكيف تفسر لنا هذه الظاهرة؟ ولماذا اتجه نوار بلبل نحو مسرح الهواة في سنين ما بعد الثورة، رغم اعتمادك قبلها على الممثلين المحترفين؟
ما قبل الثورة، المسرح كان مجرد زينة، تستخدمه دول المنطقة أو الأنظمة الشمولية كديكور، فنحن كنا نرغب في أن يكون لدينا فن متطور، كما كان عند السوفييت والحضارات الأخرى المتقدمة. وبناءً على هذه الرغبة، أنتجنا عروضاً مسرحية، خالية الدسم أو ربما نظيفة ومعقمة. ففي عرض "المنفردة" مثلاً، الذي قمت بتقديمه في سنين ما قبل الثورة، والذي لا أعتبره يمثلني في الوقت الحالي، اضطررنا فيه إلى المساواة بين الضحية والجلاد. وكانت هذه المساواة بمثابة كلمة المرور لتقديم العرض، لنتمكن من الوصول إلى المساحات التي يتيحها لنا النظام.

لذلك، من الممكن أن أصف الفن الذي كنا كسوريين نقدمه في تلك المرحلة، بأنه فن لأجل الفن. فالحكومة السورية كانت تتيح لنا هذا الهامش لتتباهى بوجود مسرح سوري لا أكثر؛ فالرقابة على المسرح كانت تجرّد المسرح من جميع وظائفه، وحتى بعد أن تقلّد بشار الأسد الحكم، وبعد أن أصدر قراراً سياسياً بتعديل شكل الفن، فإن التعديل الذي فُرض يمكن تفسيره بأنه على الرقابة أن تكون ذاتية، قبل أن تكون رقابة مؤسساتية! لذلك فإن المسرح السوري بكل تاريخه، وأقصد هنا التاريخ المرتبط بحقبة "البعث"، لم يتمكن من طرح عروض قادرة على التأثير في الشارع. ولكن، بعد أن قمنا بالثورة، أعدنا اكتشاف المسرح.


وأما بالنسبة للاعتماد على الهواة بدلاً من المحترفين في المسرح السوري الثوري، فيعود السبب إلى الشتات الذي يعاني منه السوريون، كشعب وكفنانين. هذا الشتات جعل من الصعب على الفنانين السوريين أن يجتمعوا لصناعة عرض مسرحي. وبالنسبة لي، فأنا أعتقد أن العمل في مثل هذا الظرف مع المحترفين، ضرب من ضروب الترف، كما أنه من الصعب اليوم تقديم عرض مسرحي احترافي نعلق فيه على الثورة، ونحن لا نزال نعيش تفاصيلها، ونحن نقف في المقتَلة، ولا ندرك من أين ستأتي الضربات التالية. وبرأيي أن أهم ما يمكن أن يقدمه الفنان الثائر في الوقت الحالي، هو أن يكون أميناً للحظة الاستثنائية التي مرّ بها. لذلك، أجد نفسي ملزماً بالعودة إلى الشارع الذي شاركت في تظاهراته، وأضع مسرحي في خدمته.

- وكيف وظفت مسرحك بخدمة الشارع السوري؟
عندما وصلت إلى الأردن، اتجهت مباشرةً إلى مخيم "الزعتري"، وهناك رفضت أن تكون مشاركتي المجتمعية، كما تسميها المنظمات، مجرد مشاركة بتوزيع الهدايا والتقاط الصور مع الأطفال، وإنما قررت أن أذهب إلى الأقصى، فمكثت في المخيم قرابة أربعة أشهر، وأنشأت خيمة "شكسبير"، وبدأت بالعمل مع الأطفال على مسرحية "شكسبير في الزعتري"؛ واخترت اسم "شكسبير"، لأنه اسم يصطاد ويجذب الجمهور والإعلام؛ وكان الهدف من ذلك هو جذب وسائل الإعلام، وإجبارها على رؤية مخيم الزعتري كما يراه قاطنوه من السوريين، وليس كما يراه الإعلام العالمي؛ فالتقارير الإعلامية التي تصور حياة السوريين في مخيم الزعتري، وغيره من المخيمات، تبعثُ لدى المتلقي إحساساً ضمنياً، يلومُ فيه السوريين على خروجهم بالثورة التي أدت بهم إلى هذا المصير. ولذلك، كان من الضروري أن نصطاد الإعلام، لنقدّم أمامه قصص السوريين كما نراها كسوريين، وليس من منظار خارجي، واستطاع الأطفال أن ينفذوا العرض بإتقان، وأثبتوا للناس كم هم قادرون على الفعل.

- في الفترة الأخيرة، أصبحت العروض المسرحية السورية تعتمد في نجاحها على قصص المؤدين الحقيقية، وتعاطف الجمهور مع المؤدي، أكثر من قصة المسرحية وتعاطف الجمهور مع الشخصيات. ما تأثير ذلك على المسرح السوري؟ وهل تركز أنت على قصص الممثلين الحقيقية؟

هذا ملف شائك، وغالباً يقع المتلقي في لبس بين القصة الحقيقية للممثل، والرسالة التي يريد القائمون على هذه الأعمال إيصالها وكأنها الحقيقية، ونحن لا تستطيع إدراك توجه العروض، من دون معرفة الجهة الداعمة، والتي غالباً ما تختار العروض المتناسبة مع أجنداتها، وتجد مريدين لها من السوريين. فالسوريون، اليوم، يبحثون عن الدعم بشكل لحظي، والمخرجون والفنانون الذين كانوا يقدمون نساءنا كجوار بلباس الرقص الشرقي، لتلبية اعتبارات الغرب المستشرق، هم أنفسهم كانوا على استعداد لتقديم صورة المرأة بشكل مغاير، لتبدو النساء السوريات في بعض المسرحيات، وكأنهن كلهن محجبات أو منقبات، ويشبهن إلى حد بعيد الصورة التي يقدم فيها الإعلام الغربي نساء داعش؛ ولكن الحقيقة التي نعايشها كسوريين من خلال عائلاتنا والوسط المحيط بنا تؤكد أن المعلومات التي ينقلها هذا النوع من المسرح مغلوطة، فلدينا نسبة كبيرة من النساء اللواتي يرغبن بالعمل في مجال المسرح والفنون، قبل أن ينتقلوا إلى أوروبا؛ فالأوروبيون يظنون اليوم، بسبب هذا النوع من الأعمال الفنية، وبسبب اتجاه أغلب السوريين اللاجئين إلى بلدانهم نحو الفن، أن ظرف اللجوء هو الذي أوجد الظواهر الفنية السورية.


المساهمون