"الروك" العربي... أداة تعبير متحررة من قيود المجتمع

"الروك" العربي... أداة تعبير متحررة من قيود المجتمع

08 سبتمبر 2016
اختارت مشروع ليلى نمط الإيندي روك(غيلوم سوفان/فرانس برس)
+ الخط -
يعتقد بعض الموسيقيين، بأنّ التجديد الموسيقي يقترن بالمزج بين الأنماط الموسيقية المختلفة، مستشهدين بتجربة تشاك بيري الذي طوّر موسيقى "البلوز"، وأسس لظاهرة "الروك آند رول" في بداية الخمسينيات. وهذا النسق من التفكير، دفع بعض الموسيقيين العرب منذ منتصف القرن العشرين، لاستحضار الموسيقى الغربيّة في أعمالهم، ومن بينها موسيقى "الروك" التي استطاعت أن تشكل عامل جذبٍ للباحثين عن أشكال جديدة في التعبير، مُتحرّرة من قيود المجتمع ورتابته.

وإذا ما عدنا بتاريخ "الروك" في الموسيقى العربية، سنجد أن العرب تأثروا بهذا النمط الموسيقي في بداياته. ففي خمسينيات القرن الماضي، قام الفنان السوداني، شرحبيل أحمد، والذي لقب بملك "الجاز" السوداني، باستخدام تقنيات موسيقى "الروك" في بعض أغانيه، مثل أغنية "تحرمني ليه"، وأغنية "اللابس البمبي". واستخدم شرحبيل الغيتار الكهربائي، وأعطى مساحة للبيز والإيقاع، ولكنّ أداءه كان بعيداً كل البعد عن موسيقى "الروك"، ولذلك لم ينجح بالتأسيس لظاهرة "الروك" العربي مُبكّراً.

ولأن أغاني شرحبيل لم تنتشر على نطاق واسع في الوطن العربي، فإن البعض يظنون أن أول أغنية عربية استخدمت موسيقى "الروك"، هي أغنية "أنت عمري" لأم كلثوم، والتي أنتجت سنة 1964 في لقاء "السحاب" الذي جمع أم كلثوم بالموسيقار عبد الوهاب، بعد سنين طويلة من المنافسة. واستطاع عبد الوهاب حينها أن يقنع أم كلثوم بإدخال الغيتار الكهربائي في توزيع الأغنية. ولكن لا يمكن إدراج أغنية "أنت عمري" في أيٍ من تصنيفات "الروك"، لأنه ليس من الممكن الحكم على الأغنية بأنها متأثّرة بالروك، لمجرد استخدامها لآلة الغيتار الكهربائي.


وفي الستينيات أيضاً، ظهرت العديد من الفرق العربية التي اختصّت بنمط "الروك"، ومن أهمها فرقة "ذا نيوز" اللبنانية التي قدمت أغانيها باللغة الإنكليزية، وحققت شعبية كبيرة. ولم
تحاول الفرقة الدمج بين موسيقى "الروك" والموسيقى العربية، إذ اعتبر أعضاؤها أن "الروك" الذي يعشقونه، له طريقته ولغته، والتزموا بها. وسارت على خطى هذه الفرقة العديد من الفرق الناجحة في السبعينيات والثمانينيات، مثل فرقة "مايبي" العراقية، وفرقة "فورس" اللبنانية. ولا تزال بعض الفرق الموسيقية تسير على هذا النهج في الألفية الجديدة، ومنها فرقة "هو كيلد بروسلي" اللبنانية.

وإنتاج العرب لأغاني "الروك" باللغة الإنكليزية، مرتبط باعتقاد سائد، بأن اللغة العربية لا تناسب موسيقى "الروك"، ولذلك تأخر صدور أول ألبوم "روك" باللغة العربية حتى بداية الثمانينيات. وأصدرت المغنية العراقية، نجمة، ألبوم "نشوة في بغداد"، إلا أن كلمات الأغاني غير المترابطة، خفّضت من أسهم الألبوم، ولم تستمر هذه الظاهرة طويلاً. وفي نفس الحقبة، بدأت موسيقى "الروك" تنصهر بالتجارب الموسيقية في المغرب العربي، إذ استطاع الموسيقيون تطويعها، وأعطوا قيمة مضافة لموسيقى "الراي"، وتقدموا باستخدامها على باقي بلدان الوطن العربي.

وبعد العديد من المحاولات الهامشيّة لإقحام موسيقى "الروك" بالأغنية العربية في بداية الثمانينيات، قام بعض المغنين الذين لديهم شعبية كبيرة في الوطن العربي بتجريب "الروك" في أغانيهم. واستخدم الفنان المصري، محمد منير، "الروك" في أغنية "الكون كلو بيدور" سنة 1981. وقدم الفنان الليبي، حميد الشاعري، سنة 1984 ألبوما بعنوان "رحيل"، يحتوي على العديد من الأغاني من نمط "الروك- بوب"، بالتزامن مع ألبوم "ثريلر" لمايكل جاكسون الذي ساهم بريادة نمط "الروك- بوب" على المستوى العالمي.

ولا يزال الفنانون العرب حتى اليوم يستخدمون "الروك" في أعمالهم، دون أن يؤثر على سويتها أو هويتها. وقدم، عمرو دياب، عدة أغان من نمط "الروك- بوب"، مثل أغنية "خليني جنبك"، وأغنية "ألومك ليه" وغيرها، وكذلك نانسي عجرم بأغنيتي "أنت إيه"، وأغنية "بتفكر في إيه". واستطاع فادي أندراوس أن يتميز بأدائه لأغاني "الروك"، مثل "هيدا مش أنا"، ولكن موضوعات هذه الأغاني جميعها كانت عاطفية، وتشعر بأن "الروك" غالباً مُقحمٌ على الأغنية، ولم يتقبل هذه الأغاني عشاق "الروك" في الوطن العربي، وفضلوا عليها الفرق البديلة.
واتجاه فرق الموسيقى المستقلة للروك ازداد مع بداية الألفية الثالثة، وأخذ شكلاً جديداً. ففي سنة 2003، قامت الفرقة الأردنية "جدل" بتجديد مفهوم "الروك العربي"، عندما أعادت توزيع أغنية "كل ما أقول التوبة" لعبد الحليم حافظ على إيقاع "الروك". ومن بعدها، تدافعت الفرق الموسيقية لتكريس "الروك" كشكل موسيقي يُعنَى بتجديد الفن العربي الأصيل، فأعادت فرقة "جين" السورية توزيع أغنية "يا ولدي" للشيخ إمام على طريقة "البانك روك"، وكذلك جددت فرقة "مسار إجباري" أغنية السيد درويش "أنا هويت وانتهيت" بنفس الطريقة. وساهمت هذه الأغاني بزيادة شعبية "الروك العربي"، مما حوله لظاهرة حقيقية، فازدادت عدد الفرق، وحاولت العديد منها أن يشكلوا هوية موسيقية واضحة.

اختارت بعض الفرق نمط "البانك روك"، وعبرت من خلال "الروك" عن الغضب والثورة، مثل فرقة "كايروكي" المصرية، وفرقة "المربع" الأردنية، واختار البعض نمط "البروغريسيف روك" مثل فرقة "آخر زفير" الأردنية، التي غنت بعض أغاني "البانك روك" أيضاً، واختار بعضهم نمط "الإيندي روك"، مثل فرقة "مشروع ليلى" اللبنانية، وكذلك اختارت فرقة "خبز دولة" السورية "الهارد روك".

واختارت فرقة "نار جهنم" البحرينية نمط "الهيفي ميتال"، فشكّلت صدمة حقيقية بالنسبة للجمهور بالعالم العربي، بسبب الأفكار السائدة الخاطئة عن علاقة هذا النمط الموسيقي بعبادة الشيطان. وحاول العديد من الفنانين العرب تأصيل موسيقى "الروك"، من خلال دمجها بأنماط موسيقية عربية أصيلة. فجربت دينا الوديدي المزج بين موسيقى "الروك" والموسيقى الصوفية. وقامت مريم صالح بإقحام المزمار الصعيدي المصري على موسيقى "الروك".







المساهمون