"زي عود الكبريت": تحية حسين الإمام الأخيرة

"زي عود الكبريت": تحية حسين الإمام الأخيرة

04 سبتمبر 2016
عائلة الإمام خلال إطلاق الفيلم (العربي الجديد)
+ الخط -
في تاريخ الفن المصري الحديث، يرتبط اسم حسين الإمام دائماً بالخفة واللعب. الفنان متعدد المواهب، الذي يفعل كل شيء بحثاً عن سعادته الشخصية وعن البهجة.

هكذا نجده ممثلاً ومنتجاً في أفلام تشبهه، مثل "كابوريا" و"أشيك واد في روكسي"، ومقدماً تلفزيونياً لبرنامج مقالب ناجح جداً في أوائل الألفية، مثل "حسين على الهوا" و"حسين في الاستديو"، ومغنياً وملحناً في "فرقة طيبة" مع شقيقه مودي الإمام، أو مؤلفاً وموزعاً لأغنية، مثل "للعالي عالي يابا" مع محمد منير. لذلك فحسين الإمام حكاية مصرية مميزة وخالصة، كان بالأحرى ذو "سبع صنايع"، كما تقول الأمثال الشعبية، يفعلها كلها بخفة وجودة، وفي الأخير، وقبل وفاته بعدة أشهر فقط، قام بإخراج فيلمه الوحيد "زي عود الكبريت"، الذي عرض في مهرجان القاهرة السينمائي عام 2014، قبل أن يبدأ عرضه التجاري أخيراً في قاعة سينما "زاوية" في القاهرة.

الفيلم الذي أنتجه وأخرجه حسين الإمام بميزانية ضئيلة، خرج يشبهه تماماً، في عيوبه ومميزاته، وهو يقوم ببطولته مع زوجته الممثلة سحر رامي. لكن الجزء الأكبر من مادته هو استخدام لقطات ومشاهد لممثلين في أفلام لوالده المخرج الكلاسيكي حسن الإمام، ودمجها معاً إلى جانب المشاهد المصورة حديثاً بالأبيض والأسود، ليكون النتاج هو قصة من بطولته، تجمعه بـ"21 نجماً لم يلتقوا من قبل ولن يلتقوا من بعد"، كما يقول "بوستر" الفيلم. وفيه تحية وهزل وسخرية، في آنٍ واحد، من العصر الكلاسيكي للسينما المصرية في الأربعينيات والخمسينيات، والتي كان والده نفسه أحد رموزها.

وتحكي قصة حسين الإمام في "زي عود الكبريت" عن تاجر مخدرات ورئيس لعصابة تهريب، يقوم هو بدوره، ومن خلال المونتاج يصبح مساعدوه والعاملون معه هم "نجوم السينما المصرية"، فتصبح فاتن حمامة إحدى أياديه الخفية، وعماد حمدي في مهمة سرية لقتلها، وفريد شوقي بالطبع من مساعدي رئيس العصابة، أمينة رزق كالعادة هي جدة مغلوبة على أمرها، وحتى نهاية الفيلم نظل نبحث عمن هو "الرجل الكبير"، وهكذا يستخدم حسين الإمام كل "كليشيهات" ونماذج السينما المعتادة لخلق قصة جديدة ممتعة.

تعتمد مفارقات حسين الإمام على المونتاج بالأساس، وهو لعبته الأساسية في هذه المرة، حين يقوم بالتقطيع بين جملة يقولها أحد الممثلين في فيلم كلاسيكي، وجملة أخرى من فيلم آخر، ثم رده عليهم كأنه ينتمي لنفس المشهد والسياق، يصنع هذا التداخل كوميديا فريدة جداً، تحديداً في حالة السينما المصرية، فنشاهد سمير صبري يتحدث في فيلم ويرد عليه نور الشريف في فيلمٍ آخر، وفي النهاية هناك قصة يحاول "الإمام" أن يحركها إلى الأمام ويتعامل معها بجدية قدر المستطاع.

إلى جانب لعبة المونتاج الممتعة، هناك جانب مهم في الفيلم، وقد يكون غير مقصود، في "نقد النوستالجيا الفارغة"، هناك تعامل دائم مع السينما الكلاسيكية في مصر باعتبارها "العصر الذهبي" ونجومها ملائكة على الأرض، "الإمام" يكرس الأرشيف الضخم لوالده من أجل التلاعب مع هذه الفكرة، يحول هذا الإرث لنكات متتالية، ويزيح جانباً من القداسة التي ارتبطت بأبطاله، من يصدق أن تكون فاتن حمامة عضوة في عصابة تهريب ومخدرات؟ حسين الإمام جعلها كذلك.

ورغم جمال التجربة، وتميزها، إلا أن عيب الفيلم الرئيسي، والذي يمتد لوقت طويل في بعض الأحيان، هو فقده لسينمائيته وتحوله لـ"سكتشات" أقرب للبرامج الكوميدية التي تتعامل مع إرث السينما المصرية، يكون هذا مضحكاً أحياناً، ومبالغاً فيه وبه تطويل في أحيان أخرى، فربما كان من الممكن التخلي عن عشر دقائق أو ربع ساعة لا تفيد الفيلم وتكرر "اللعبة" نفسها. ولكن مع ذلك فهي تجربة جريئة وذكية ومهمة، وإلى جانب كل هذا هي "تشبه حسين الإمام"، رجل البهجة الذي عاش سعيداً ورحل خفيفاً وكان عمله الأخير "زي عود الكبريت" هو أقرب شبيه له.




دلالات

المساهمون