"الماندالا" من طقس ديني إلى فنّ

"الماندالا" من طقس ديني إلى فنّ

27 اغسطس 2016
تحولت الماندالا إلى فن إبداعي مستقل (آساهي شيمبون/ Getty)
+ الخط -
تقليد ساحر أخّاذ، لكنه شاق في الوقت ذاته؛ إنه فن "الماندالا" التبتية. هو أحد الفنون الطقسية التي تقوم على نقش الرموز البوذية التبتية الملونة، حيث يتم إنشاء تلك الأعمال الفنية المقدسة من قبل رهبان جبال التبت، بوصفها تشكيلاً فنياً للكون والحياة. وتعني الماندالا في لغتها الأصلية: الدائرة والاحتواء، وتعني فنياً تصميم أنماط ونقوش متوازنة بصرياً.
ويمكن تكوين الماندالا في قوالب متعددة، وعبر وسائل مختلفة، مثل الرسم على الجدران أو المخطوطات أو الأحجار أو حتى بالنحت على الخشب أو الخضراوات. لكن تبقى ماندالا الرمال، والتي تستغرق وقتاً طويلاً في إنشائها، قد يصل لعدة أيام، ووفق خطوات معقدة؛ واحدة من أكثر الأشكال الشعبية الفريدة جمالاً وشهرة. وتظهر فيها روعة الأداء الإبداعي اللافت للنظر. ومن أبرز ما يميز تلك الأعمال هو ما تعبر عنه، والتي تمثل الطبيعة العابرة للحياة. كما أن التقاليد تفرض إعادة تفكيك اللوحات بعد إنشائها.
وفقاً للتعاليم البوذية؛ تبدأ العملية عادة مع الحفل الذي يقيمه اللامات (القادة الروحيون، ورؤساء الأديرة البوذية)؛ لتكريس الموقع الذي سيتم إنشاء الماندالا فيه، وهو طقس يحتوي عادة على الرقص وتلاوة الصلوات. البناء الفعلي للماندالا على الرمال يكون وفقاً لإجراءات محددة؛ تبدأ في مركز منصّة خشبيّة مرسوم عليها بالطباشير، ثم يبدأ الرسم من الداخل، وباتجاه الخارج.
الرسم يكون بملايين حبات الرمال الملونة التي يضعها الرهبان البوذيون بحذر شديد على سطح اللوحة باستخدام أقماع أنبوبية معدنية رقيقة تسمى "تشاك – بور". ويتطلب الأمر في الغالب أسبوعاً أو عدة أيام لتشكيل صورة الماندالا بالرمال.
هذه الأشكال الهندسية المستوية المقدسة، والتي تصور علم الكونيات؛ يقال إنها أيضاً تنقل مختلف أنواع الطاقة الإيجابية للبيئة التي توجد بها، والناس الذين يأتون لرؤيتها. وبشكل عام؛ فإن لكل لوحات الماندالا معانيَ خارجية وداخلية وسرية. ووفقاً لمركز الدراسات البوذية التبتية: الممارسة والثقافة؛ ويسمى أيضاً "دير دربونج لوسلينج"؛ فإن المستوى الخارجي يمثل العالم في شكله الإلهي، ويمثل المستوى الداخلي خريطة يتم من خلالها تحويل العقل البشري العادي إلى العقل المستنير، والمستوى السري يصور التوازن الأولي الأصلي المثالي للطاقات الخفية من الجسم، والبعد الواضح المضيء للعقل. ويقال أنَّ إنشاء لوحة الماندالا على الرمال هي من أجل خلق النقاء والشفاء على هذه المستويات الثلاثة.
يتبقى الجزء الأكثر حيرة من ماندالا الرمال التبتية، وهو التفكيك المتعمد للماندالا؛ فبعد عدة أيام من العمل الدقيق، يقام احتفال آخر من قبل الرهبان البوذيين، والذين يتلون الصلوات بأصوات عالية بهدف استدعاء الشفاء من الآلهة البوذية. وبينما يتلو الرهبان صلواتهم، يبدؤون في تجريف الرمال المكونة للوحة الماندالا، باستخدام فرشاة أو أدوات تساعد على جمع الرمال بعناية، ومخلفة وراءها دوامة رمادية اللون على اللوحة. وعادة ما يتم جمع الرمال بعناية وتوزيعها في أماكن المياه القريبة من أنهار أو بحيرات أو بحار من أجل توزيع الطاقة الإيجابية في العالم.
مؤخّراً؛ تحولت الماندالا من طقس ديني إلى فن إبداعي مستقل، وصار يطلق عليها خارج محيط هضبة التبت "فن البهجة".




المساهمون