مغنّو الزمن الجميل: رحيل صامت

مغنّو الزمن الجميل: رحيل صامت

24 اغسطس 2016
أفقد التهاب الحنجرة سمير يزبك صوته (رسم أنس عوض)
+ الخط -
لم يعش عدد كبير من المغنين اللبنانيين حياة الترف الفنية، ولا حتى حياة الاكتفاء المالي. الدولة اللبنانية المشغولة بالصراعات السياسية والكيدية، لم تهتم كثيراً بمن حملوا صورة لبنان الفنيّة إلى العالم. معظم هؤلاء ماتوا، وهم يعانون العوز المالي، في ظل اهتمام نسبي من قبل الدولة نفسها بالرعاية الصحية، لمن هم بأمس الحاجة إليها.
عدد كبير من الفنانين اللبنانيين، والأمر لا يقتصر على المغنين فقط، قضوا بعد معاناة مع المرض، لأسباب لو عولجت بالطريقة السليمة التي يضمنها القانون اللبناني، كانت لتخفف عنهم أوجاعهم، وتقيهم شرّ الوجع والمرض، وربما الموت المُبكر. أسئلة كثيرة تُطرح اليوم، في ظلّ غلبة المصالح الضيقة على قطاع نقابات العمل اللبنانية، لا سيما النقابات الفنية التي تُعنى بهؤلاء. وإذا ما كانت القرارات التي يعلنها الوزراء، مجرّد مواقف إعلامية، أم هي مبادرات تُنفَّذ فعلياً. 

سمير يزبك
قبل عشرين يوماً دخل الفنان اللبناني، سمير يزبك، إلى المستشفى. وناشد أقرباؤه الدولة بضرورة الاهتمام بحال يزبك نظراً لمكانته، لكن يزبك رحل أول من أمس. توفي يزبك، عن عمر ناهز 77 عاماً، بعد رحلة فنيّة طويلة امتدت من ستينيات القرن الماضي، وتوقفت قسراً قبل سنوات بعد أن عانى من مرض أثّر على صوته وأدائه. وكان يزبك قد أطلق قبل ثلاث سنوات صرخة اعتراض على الدولة اللبنانية، والنقابات الفنية اللبنانية. وقال يزبك إنه أصبح لدينا في لبنان ثماني نقابات، ولا يوجد ضمان صحي فردي للفنانين اللبنانيين. يعتبر سمير يزبك موهبة غنائية كبيرة، وهو من جيل الفنانين الذين رسموا بالصوت وعلى المسرح خريطة الأغنية الشعبية اللبنانية. اكتشفت المطربة، فيروز، يزبك في ستينيات القرن الماضي، إذ كان يعمل مزيناً نسائياً. وطلبت فيروز من الرحابنة أن يوظفوا موهبة يزبك الفنية، فعمل بداية في "كورس" الفرقة التي أسَّسها الرحابنة، ثم خطفه المؤلف والملحن، روميو لحود، ومنحه أدوار البطولة في عدد من المسرحيات الغنائية الاستعراضية كـ"القلعة" و"الشلال" في السبعينيات. لم يصمد سمير يزبك بعد فترة التسعينيات كثيراً، عصر التحولات في الإنتاج الغنائي، وسيطرة شركات الإنتاج العربية على سوق الموسيقى العربية، إذ أُبعدَت وجوه من "الزمن الجميل" عن الساحة الفنيّة، فتراجعوا حتى أصيبوا بالمرض، ورحلوا. حال زملاء سمير يزبك في تلك الفترة، لم تكن أفضل من زميلهم.

عصام رجي
الفنان عصام رجي الذي عُرف بأشهر أغاني السبعينيات، توفي قبل خمسة عشر عاماً بعد إصابته بأزمة قلبية مفاجئة، لكن وضعه المالي لم يكن على ما يرام، وعانى من ضائقة مالية قبل وفاته. وكان رجي من أشهر مطربي المسرح الرحباني، وعمل في "كورال" الرحابنة بعد اكتشاف موهبته الغنائية، ثم انتقل إلى مسرح الفنان اللبناني، روميو لحود، وكان اسمه آنذاك مسرح" فينيسيا". وكان أول مسرح دائم في لبنان. ولعب رجي مع لحود دور البطولة في مسرحية "موال". اكتسب عصام رجي شهرة واسعة في السبعينيات، بعدما سجل أغنيته الخاصة "فوق الخيل" التي أحدثت ضجة كبيرة، قبل أن يقدم له الموسيقار، فريد الأطرش، أغنية "هزي يا نواعم" التي شكلت قفزة نوعية في مسيرته الفنية، وتبعتها مباشرة أغنية "يا صلاة الزين". تأثر رجي بالحرب الأهلية اللبنانية، مثل كل الفنانين اللبنانيين الذين هاجروا سعياً وراء رزقهم في دول أميركية وعربية. وعاد رجي في التسعينيات، وقدم عملاً مسرحياً بعنوان "هالو بيروت" تحت إشراف أبناء الرحابنة غدي ومروان، ولاقى هذا العمل نجاحاً لافتاً بعد فترة الحرب.

عازار حبيب
لم يبتسم القدر كثيراً للفنان اللبناني عازار حبيب الذي رحل باكراً في عام 2007 عن 61 عاماً. وأسهم حبيب في تعزيز وحضور الأغنية اللبنانية، بعدما شكّل ثنائياً ناجحاً مع الشاعر الراحل، إلياس ناصر، في أبرز إنتاجات السبعينيات والثمانينيات. ينتمي عازار حبيب إلى جيل جوزيف ناصيف وإيلي شويري ورجا بدر وجوزيف عازار وسمير حنّا وسمير يزبك. عانى حبيب من سيطرة الفن الاستهلاكي في التسعينيات، وأصيب بنكسة فشل ألبومه الأخير.
لم يكتف عازار حبيب بالغناء على الرغم من نجاحات كبيرة حققتها ألبوماته في تلك الفترة، "نانا" (1980)، "لولاكي يا ملاكي" (1981)، "صيدلي يا صيدلي" (1983)، "عجبين الليل" (1985). وكان حبيب ملحناً ناجحاً أيضاً، واشتهرت ألحانه بأدائها من قبل أصوات أخرى، منها الأمير الصغير في أغنية "ع طبق ألماس"، ومنعم فريحة في أغنية "ع خدك حبّة لولو".
آخر الألبومات التي قدّمها حبيب كان بعنوان "أحلى السيدات". لم يجد الألبوم إقبالاً جماهيريّاً كبيراً في زمن طغت فيه الأغنية الاستهلاكية على الألحان، ودخلت أموال الخليج على خط الإنتاج اللبناني، ما أدى إلى تراجع حضور هؤلاء الفنانين سوى عن بعض الدول العربية التي عرفتهم في البدايات، وكانت مساهماً جيداً في انتشارهم، فكان عازار يحيي حفلاته في سورية والأردن قبل وفاته.


جوزف ناصيف 
يعتبر جوزف ناصيف واحداً من أهم الأصوات اللبنانية التي لاقت نجاحاً كبيراً تلك الفترة. توفي جوزف ناصيف عام 2001 بعد معاناة مع المرض، في ظل غياب اهتمام النقابة والدولة اللبنانية عن رعايته. 
بدايات ناصيف الفنية كانت مع مسرح الرحابنة، بعدما ترك تخصصه في الديكور، وشارك عام 1961 بمسرحية "حكاية لبنان" التي قدمت على مسرح كازينو لبنان، وتوالت أعماله بعد ذلك. وشارك ناصيف في الكثير من المسرحيات، منها: "جبال الصوان" و"صح النوم" و"ناس من ورق". ومن الأفلام التي شارك فيها أيضاً "الحب الكبير" و"سفر برلك" و"بياع الخواتم".



المساهمون