رحيل محمد خان: انتهى زمن اللعب... وبقي زمن الأفلام

رحيل محمد خان: انتهى زمن اللعب... وبقي زمن الأفلام

27 يوليو 2016
رحيل "الحرّيف" (فيسبوك)
+ الخط -
بشكل أو بآخر يمكن النظر إلى تاريخ السينما المصرية إلى ما قبل محمد خان وما بعده، فالرجل الذي رحل بشكل مفاجئ عن عمر 74 عاماً قدم للفن في مصر ما هو أكثر من "أفلام جيدة"، بقدر ما فتح الطريق لجيل كامل عن طريق الخطوات الثورية التي صنع بها أفلامه.
محمد خان، الذي ولد في القاهرة عام 1942، عاش طفولة ملتصقة بالسينما حرفياً، حيث كان البيت الذي يسكنه يقع تماماً بجانب دار عرض سينمائي، كان يشاهد الفيلم في يوم عرضه الأول، ثم يجلس في بلكونة البيت يستمع للـ"صوت" ويتخيل الصور في بقية الأيام، تلك التفصيلة جعلته مرتبطاً بهذا الفن منذ الصغر.


حين عاد للقاهرة من لندن منتصف الستينيات كان ممتلئا بالرغبة في صناعة الأفلام، وبالفعل صور بعض الأعمال القصيرة وعمل في مؤسسة السينما، ولكن الوضع السياسي والاقتصادي الذي تدهور بعد حرب 1967 أدى به للسفر إلى لندن مرة أخرى والعمل في أشياء لا علاقة لها بالسينما، قبل أن تتغير حياته في منتصف السبعينيات، حين أصبح في قرابة الأربعين من عمره، حيث أتت المونتيرة نادية شكري في زيارة لإنكلترا وشجعته أن يبيع كل ما يملك ويعود للقاهرة كي ينتج فيلماً.
كان خان خفيفاً، باع فعلاً كل ما يملك، وعاد إلى القاهرة، تحديداً إلى بيت صديقه ومدير التصوير "سعيد الشيمي"، وقال له "هيا نصنع فيلماً"، وبدأا العمل على ما سيصبح بعد ذلك أول أفلامه وواحد من أفضلها "ضربة شمس".

نجاح "ضربة شمس" ووجود "خان" في القاهرة أدى لبداية تكوين "جيل جديد" من السينمائيين، ضم إلى جانبه خيري بشارة وعاطف الطيب ورأفت الميهي، وتكوين ما عرف بعد ذلك بالموجة الواقعية الجديدة في سينما الثمانينيات في مصر.

رومانسية السفر والطريق في "طائر على الطريق" عام 1981، أو مثلث الحب الممتلئ بالحدة في "موعد على العشاء" (1982)، فيلم الحركة ذو النكهة الفرنسية ومشاهد مطاردات الشارع التي لا تنسى "نص أرنب" (1983)، الشخصية والتفاصيل والمدينة في "الحريف" (1984)، كوميديا "خرج ولم يعد" في هجاء القاهرة والاحتفاء بالريف أو الحس الساخر في فيلم طريق جديد مثل "مشوار عمر"، بداية مرحلة من الاهتمام السياسي والاجتماعي بصورة أكبر مثل في "عودة مواطن" (1986) وأحلام هند وكاميليا (1988) وسوبر ماركت (1989) حيث يدور كل شيء على خلفية التغيرات الاجتماعية التي طاولت المصريين وتغير البنية العائلية بفعل المال والاقتصاد، إلى جانب فيلم العظيم "زوجة رجل مهم" الذي يحمل داخله دراسة سلوكية استثنائية لرجل الشرطة.. وعلاقة رومانسية تتجه للدمار.. مع الكثير من التفاصيل وسينما "خان".

مع نهاية الثمانينيات، انتهت الفترة الأهم والأكثر تألقاً في سينما "خان"، وبدأت المرحلة التي أصبح يرهق فيها جداً من أجل تمويل "فيلم جديد"، وهي مرحلة شهدت بالطبع خفوتاً في مستوى الأفلام، فبعد إنتاجه لفيلمه المهم "فارس المدينة" (1991)، خسر الكثير من الأموال بعد فشل الفيلم في دور السينما، وبدأ يصنع أفلاماً بها لمسة تجارية مع تدخل أكبر لشروط "السوق"، فأخرج "مستر كارتيه"، و"الغرقانة" و"يوم حار جداً" في النصف الأول من التسعينيات، مع محاولة في كل منهم لتحقيق نجاح تجاري يبقيه في اللعبة، ولكن هذا لم يحدث، وبدلاً من ذلك ظل 7 سنوات كاملة دون إخراج فيلم واحد بسبب عدم حماس أي من المنتجين للوقوف وراءه، وعدم وجود أموال لديه تجعله "منتجاً" مرة أخرى، ليعود مع "أيام السادات" (2001) رغبة في أن يقف وراء الكاميرا وتحقيقاً لطموح واحد من أصدقاء عمره أحمد زكي في تجسيد شخصية الرئيس الراحل أنور السادات في فيلم.

5 أفلام أخيرة

في الـ12 سنة الأخيرة أخرج "خان" 5 أفلام" في 2004 قدم "كليفتي" وهو فيلم دون تكلفة تقريباً وتم تصويره "ديجتال"، ثم في 2005 أخرج "بنات وسط البلد" محاولاً تقديم عالمه المعتمد على تفاصيل الشارع والمدينة من خلال نجوم شباب، وفي 2007 فيلمه الأكثر رومانسية في مسيرته كلها "في شقة مصر الجديدة" حيث حنين مخرج كبير لعالم أكثر خفة وبساطة على أنغام صوت ليلى مراد.

ورغم النجاح النسبي لـ"شقة مصر الجديدة" إلا أنه اضطر للانتظار 7 سنوات أخرى لإخراج فيلمه "فتاة المصنع" عام 2014، ثم "قبل زحمة الصيف" الذي عرض في وقت مبكر هذا العام، ورغم مشاكل الفيلمين الكبيرة على المستوى الفني، إلا أن ميزتهم الوحيدة الآن هي بقاء "خان" داخل اللعبة –كما أراد- حتى اللحظة الأخيرة في حياته، أخرج فيلماً ويحضر لأعمالٍ أخرى، ولكن الموت غيبه بأزمة قلبية مفاجأة.. لينتهي زمن اللعب وتبقى الأفلام.



المساهمون