النقيض الأجمل

النقيض الأجمل

26 ديسمبر 2016
(كانكان تشو/Getty)
+ الخط -
تعتاد الصحافة السينمائية، وغير السينمائية أيضاً، نشر استعادات مختلفة لأبرز أحداث عامٍ منصرم، كعناوين تشهد على تحوّل أو تغيير، أو على أحداث ظاهرةٍ تسترعي الانتباه لحظة حدوثها، وما بعدها. هذا يحدث في العالمين العربي والغربي. أما الترجمة العملية له، فتتمثّل بمقالاتٍ صحافية، أو ملفاتٍ تتضمّن، بالإضافة إلى الجانب المهني البحت، دراسات ومقالات رأي وشهادات. 

لن يتبدّل شيءٌ، عشية أفول العام الميلادي 2016. فمنذ نهاية الأسبوع المنصرم، يتابع معنيون ومهتمّون بالاستعادات ما يُنشر في بعض الصحافة المكتوبة. لكن، هناك من يطرح سؤال الجديد، إذْ يشعر هؤلاء أن الجديد منعدمٌ، في وضع مرتبك بشدّة، يعيشه العالم برمّته: عنفٌ وإرهابٌ وقتلٌ وفسادٌ وانهيارات وفوضى وتطرّف وأصوليات، في مقابل محاولات دؤوبة يقوم بها سينمائيون، عرب وغربيون، تهدف إلى إيجاد مُعادل إبداعي، لعلّه يتضمّن شيئاً من الإنسانيّ أيضاً، لمواجهة هذا الخراب العظيم.

والسينمائيون ليسوا وحيدين. فالنتاج، الأدبي والفني والثقافي السجالي، حاضرٌ في المشهد العام، عربياً، ولو بشكل أقلّ كمّيةً وتأثيراً من الدوليّ. التفاوت واضحٌ بين نتاجٍ وآخر، وبين جغرافيا وأخرى، وبين حراكٍ ثقافيّ وآخر. هذا طبيعي، بل هو مطلوبٌ لتحريض المعنيّ والمهتمّ على التنبّه والبحث والاكتشاف، كما على النقاش والحوار. لكن المأزق خطرٌ: أساليب النقاش والحوار تكاد تنعدم، في عالمٍ عربيّ مُنهك بفعل جُرميّ يطاول أناساً وأمكنة وذاكرة وأزمنة، ويُصيب الغرب في أسلوب تعاطيه مع الآخر، أو في سلوكه العام.

بعيداً عن هذا، تظهر نتاجات سينمائية تؤكّد، مرة تلو مرة، أن السينما باقيةٌ، في لغتها وشكلها وأنماط تعبيرها، أداةً أفعل وأهمّ وأجمل، في مخاطبة الذات والآخر، كما في استعادة ماضٍ، وتعرية حاضر، واختراق مستقبل. لن تكون السينما خلاصاً، ولا انتصاراً، ولا خُرافةً. السينما فنٌ متمكّن من تطويع أزمنة، وبثّ أحلام وهواجس وكوابيس، ومتمكّنٌ من الحثّ على مساءلةٍ وتنقيب، والتحريض على طرح الأسئلة كلّها، من دون خوفٍ أو تردّد. هذا دأبها. هكذا هي. كما الحياة أيضاً، وإنْ بأنماطٍ وأشكال تعبيرٍ مختلفة.

لكن، ألا يُمكن اعتبار السينما هروباً من واقعٍ مُعاش، إلى عيشٍ، أو محاولة عيشٍ، يستمد من الواقع مُتخيّلاً أكبر وأرحب وأسلم من كلّ حياة؟ أهذا انكماشٌ عن اليوميّ، كمحاولةٍ ـ غير مضمونة النتائج ـ لبلوغ أمانٍ مفقود، أو ملجأ مغيَّب؟ أهذا اضمحلال في سكون الخراب، كانبعاثٍ يفقد حيويته، ويُضيِّع معناه، وينتهي في بؤرة سوداء، كعتمة صالةٍ، أو كاكتئابِ مناخ؟ أتستطيع السينما، فعلاً لا قولاً، أن تكون هذا كلّه، أم أنّ هذا كلّه مجرّد كتابة لا أكثر، أو بوح لا أكثر؟

لن تُفيد الأجوبة، لأن السينما غير مُكترثة بأجوبة كهذه، إذْ تبقى، رغم كل شيء، النقيض الأجمل لخراب العالم.


دلالات

المساهمون