مهرجان "المدن القديمة" يحتفي بحضارة موريتانيا

مهرجان "المدن القديمة" يحتفي بحضارة موريتانيا

17 ديسمبر 2016
سهرات ثقافية وغنائية في المهرجان (العربي الجديد)
+ الخط -


فرحٌ شعبيّ واحتفال رسمي، في مهرجان "المدن القديمة" الذي تحتفل به موريتانيا سنوياً. تُعقَد كل دورة في مدينة من المدن التاريخيّة المسجّلة ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي. هذه المرَّة، كان دور مدينة وادان التي وصفت في كتب التاريخ بأنّها "وادان مليء أحدهما علماً وديناً، والآخر مليء نخلاً وتمراً"، في إشارة إلى طبيعة المنطقة، حيث واحات النخيل توفّر الظل والماء والتمر للقوافل العابرة للصحراء، والمدارس الدينية والفقهاء الذين ساهموا بنشر الإسلام في غرب إفريقيا.


وإضافة إلى وادان، هناك ثلاث مدن تاريخية يتم تداول تنظيم مهرجان المدن القديمة بينها هي شنقيط وتشيت وولاته. وقد شكلت هذه المدن على مر العصور، منارة للإشعاع الثقافي والفكري والديني ما بين شمال المغرب وغرب إفريقيا. وكانت طريقاً تجارياً تمرُّ به القوافل المحمّلة بالذهب والتجارة والرقيق. كما شكَّلت معقلاً للحركة العلميّة بصحراء غرب إفريقيا.


وتقول السلطات، إن الهدف من مهرجان المدن القديمة هو رد الاعتبار للتراث المعماري وللثقافة الموريتانية في هذه المدن القديمة، والاحتفاء بتاريخ هذه الحواضر ودورها في نشر العلم والدين بغرب إفريقيا، وتثمين دورها الفكري والثقافي والعلمي والتجاري الذي ما فتئت تساهم به هذه المدن في إشعاع الثقافة الإسلامية، وتكوين الأمة الموريتانية.


وتميزت النسخة السادسة من المهرجان بتنظيم مجموعة من النشاطات الثقافية مثل معارض المخطوطات والمنتجات التقليدية ومسابقات الألعاب التراثية، اضافة الى السهرات والمحاضرات التي شارك فيها كبار الشعراء والكتاب والمؤرخين الذين تناولوا دور هذه المدن في نشر الإشعاع الثقافي والعلمي للبلاد في العالمين العربي والأفريقي وصيانة التنوع الثقافي وترسيخ الثقافة العربية الأفريقية وتعزيز اللحمة الاجتماعية، وبينوا دور العلماء الشناقطة في نشر العلوم والمعارف في الساحل والصحراء انطلاقا من هذه المدن التاريخية، وقدموا نماذج لعلمائها ومشايخها وقضاتها. 


واستمتع زوار المدينة وسياحها الأجانب بزيارة القرية التراثيّة المقامة وسط مدينة وادان، حيث تضم هذه القرية مسجد وادان القديم الذي تأسَّس قبل ثمانية قرون، وشارع "الأربعين عالماً” المشهور، والذي شكّل إشعاعاً لا نظير له في منطقة الساحل والصحراء، وظلَّ مرجعاً للعلماء والباحثين في مختلف الأرجاء.


واستمع الزوار إلى شروح حول مكونات القرية وخصائصها التاريخية والعلمية والأثرية، وطبيعة الأنشطة التى كانت تميز المجتمع الموريتاني منذ القدم، إضافة الى شرح طبيعة المعارض التي تشمل منتجات هذه المدن وخصوصياتها الفنية والمعمارية وأبرز إبداعات مفكريها.


وشكلت السهرات الفنية التراثية في مهرجان المدن القديمة، فرصة لإبراز الجوانب التراثية التقليدية للمجتمع الموريتاني من خلال الرقصات الشعبية الفلكلورية والمسابقات التراثية، وأنماط الصناعات التقليدية التي تعكس الخصوصية التاريخية والتراثية والحضارية لهذه المدن وصمودها في وجه عوادي الزمن.


ومن اللحظات القوية التي عرفها المهرجان، تنظيم قافلة من الإبل المحملة بالتجارة، ترمز لطريق القوافل بين المدن التاريخية والدور الهام الذي ظلت القوافل تلعبه قديماً كوسيلة وحيدة للتواصل بين المدن التاريخية الأربع.


ومرت القافلة التي تتكون من عدد من الجمال التي تحمل كميات من الملح، من شوارع مدينة وادان تأكيدا على الدور الذي ظلت سفينة الصحراء تلعبه على مر العصور في نقل الحجاج والعلماء وطلاب العلم والتجار والكتب النفيسة والبضائع المختلفة.


وكان لافتاً كلمة وزير الثقافة، محمد الأمين ولد الشيخ، الذي أكّد أن الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبدالعزيز، أعطى توجيهاته بضرورة كتابة التاريخ وتصحيحه، وإنصاف من يستحقون الإنصاف من مجاهدين أخيار، تأسيساً للمصالحة مع الذات والتاريخ، مشيراً إلى أنّ المثقفين والمؤرّخين الجادين، سيأخذون رأس الخيط لما تستدعيه مسؤوليتهم وحنكتهم وغيرتهم على الوطن.

المساهمون