ثنائيات سينمائية

ثنائيات سينمائية

10 نوفمبر 2016
(أستريد ستاويارز/Getty)
+ الخط -
هناك سببان اثنان يدفعان سينمائيين عديدين إلى تعاونٍ مع ممثلين معيّنين، في أكثر من فيلم. العامل التجاري أساسيّ، في بلاد تَعتَبِر السينما صناعة. لممثلٍ كهذا حضورٌ جماهيري، ونجوميةٌ مؤكَّدة. والسينمائيّ، إذْ يتعاون معه دائماً، يخضع لشرطٍ تجاري، غالباً، أي لرغبةٍ في الحصول على نجاحٍ، يتحقِّق بإيراداتٍ كثيرة. هذا سببٌ مشروعٌ وطبيعيّ، وإنْ كان محصوراً في جانبٍ مالي بحت، لن يُلغي جودة السيناريو والمعالجة والأداء، أو براعة السينمائيّ في تحقيق هذا الفيلم أو ذاك. وهذا ليس أمراً دائم الحصول.

السبب الثاني مختلفٌ، ينبثق من الأول، أحياناً. لكنه، بالتأكيد، يبقى أهمّ وأعمق من أن يُختزل بالتجاريّ المالي فقط. هو يتمثّل بعلاقة سينمائية ترتكز على الثقافي والفني والمهنيّ، بين السينمائيّ والممثل، يُصبح الأخير معها، أحياناً كثيرة، "المُفضَّل" لدى السينمائيّ. تجارب مختلفة تُثبت صحَّة هذا، وتؤكّده نجاحات، نقدية على الأقلّ، وتجارية بعض الشيء.
السبب الثاني يؤدّي، من بين أمور أخرى، إلى تشكيل ثنائيات تعرفها صناعة السينما الغربية منذ سنين عديدة. العلاقة السينمائية القائمة بينهما تتحوّل إلى نمط مهنيّ، وأسلوب عمل، ولغة إبداعية. يختار السينمائيّ ممثلاً، يُصبح المفضَّل لديه لاحقاً، بعد اكتشافه فيه ما يحتاج إليه لرسم ملامح شخصية، أو لتحديد معالم حالة، أو لتمتين سياق حبكة. الثنائي هذا متناغم ومتفاهم، ما يعني أن حِرَفية العمل تُضاف إلى تواصل سريع وواضح بين الطرفين، فيسهل إنجاز الفيلم، ويُحقِّق السينمائيّ ما يبغي تحقيقه من اختياره ممثّله المفضَّل.

الغربُ مولعٌ بهذا. مارتن سكورسيزي مثلٌ أساسيّ. البداية مع روبرت دي نيرو، ثم مع ليوناردو دي كابريو، لاحقاً. الممثلان يُدركان أن السينمائيّ محرّض لهما على مزيد من الابتكار والإبداع، وعلى إخراج أفضل ما فيهما، كي تكون كلّ شخصية انعكاساً لعمق الحيوية والسلوك والتعبير. لوودي آلن تجربة مماثلة، مع ميا فارو، ثم مع ديان كيتون.

لن تبقى علاقة كهذه سوية، دائماً. صدام ونزاع واشتباك بينهما، أمورٌ تحصل. هذا جزءٌ من حيوية المشروع، ومداه الدرامي والجمالي في مقاربة النصّ ومضمونه، وفي شخصيتي السينمائي والممثل، ومزاجهما ونظرتهما. في العالم العربي، يحصل هذا أيضاً. محمد خان وأحمد زكي نموذج أول. يُسري نصر الله وباسم سمرة نموذج ثانٍ. هذا في مصر، أما في بيروت، فهناك غسان سلهب وكارلوس شاهين، مثلاً. يرى السينمائيّ في الممثل أشياء منه، ومن تفكيره، ومن قدرته على البوح بهذه الطريقة أو تلك النبرة. يرى الممثل في السينمائي امتداداً لمفهومه المتعلّق بإدارة الممثل، وبالتعاطي معه، وبنبش مخزون إبداعي يكاد يكون منغلقاً، كلّياً، في ذاته. التواطؤ بينهما جزءٌ من لعبة الإغواء السينمائي، في ابتكار صُوَرٍ سينمائية تعكس حالة، أو تُعبِّر عن انفعال، أو تبوح بذاتٍ تمتلك خصوصيتها، فإذا بالتواطؤ هذا يدفع إلى أصدق تعبير وقولٍ.

هذا أساسيّ في الاشتغال السينمائي، وإضافة إلى الفعل الأدائي، والحيوية الإخراجية.




المساهمون