سينما أميركو لاتينية: الحب والطبيعة... والجريمة

سينما أميركو لاتينية: الحب والطبيعة... والجريمة

28 أكتوبر 2016
المخرج البرازيلي كليبير مندونزا (مراد أونلو/ وكالة الأناضول)
+ الخط -
يُشكّل "مهرجان السينما الإيبروأميركية"، الذي يُقام في بيروت منذ سبعة أعوام، مساحة لاكتشاف بعض النتاج السينمائي الخاصّ بدول أميركا اللاتينية، بالإضافة إلى إسبانيا. فرغم أن هذا المهرجان، الذي تُنظّمه السفارة الإسبانية في لبنان و"مركز سرفانتس" (بيروت)، بالتعاون مع "جمعية متروبوليس"، يخضع لما تختاره سفارات دول أميركا اللاتينية، مع بعض الاستثناءات القليلة، إلاّ أنه يبقى مساحة مطلوبة، كونه يتيح لمحبّي السينما فرصة التواصل مع بعض ما يجري، سينمائياً، في تلك البلاد.

تحمل الدورة السابعة عنوان "وجهات نظر أخرى"، وتضمّ 11 فيلماً، يعود تاريخ إنتاج أحدها إلى عام 2007، وهو "حمّام البابا" (الأوروغواي) لسيزار شارلوني وإنريكي فرنانديز: عندما يبدأ أهل مدينة "مِيلو" التحضيرات اللازمة لاستقبال قداسة الحبر الأعظم، تخطر على بال المهرِّب بيتو فكرة إقامة "حمّام" عموميّ، كي يستخدمه الحجّاج عند الحاجة، لقاء مبالغ معينة من المال.
من ناحية أخرى، تُختتم الدورة الجديدة بفيلم "أكواريوس" للبرازيلي كليبير مندونزا فيلو، المُنتَج عام 2016، والمُشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان "كانّ" الدولي، في دورته الـ69 (11ـ 22 مايو/أيار 2016). وهو أثار، عند عرضه الدولي الأول في "كانّ"، حماسة كبيرة لدى النقاد والمشاهدين، وواجه تحدّيات جمّة ومضايقات كثيرة من قِبَل السلطات الرسمية في البرازيل. مع هذا، اخترق الفيلم المعوقات كلّها، وتمّ توزيعه داخل البلد على نطاق واسع، رغم منع من هم دون الـ18 عاماً من مشاهدته، وبدأت عروضه التجارية البرازيلية في الأول من سبتمبر/أيلول 2016. أما السبب، فكامنٌ في مقاربة السلطة لمضمون الفيلم، إذْ وجدت فيه إسقاطاً على وقائع ميدانية شهدها البلد مؤخّراً، مع "إقالة" الرئيسة السابقة ديلما روسّيف من منصبها، في أبريل/نيسان الماضي، للحؤول دون التجديد لها.

يروي الفيلم حكاية كلارا (صونيا براغا)، المقيمة في مبنى "أكواريوس"، في أحد شوارع مدينة "ريسيف" (عاصمة ولاية "برنمبوك" في البرازيل)، التي تواجه، بمفردها، عملية إخلاءٍ يقوم بها حفيد المالك، لتمسّكها بما يرمز إليه المبنى، المُشيَّد في أربعينيات القرن الفائت، من ذاكرة وتاريخ واختبارات ذاتية وعامة. لكن المسألة ليست مجرّد صراع على شقّة في مبنى، لأن كلارا، الناقدة الموسيقية السابقة، تكشف ـ في صراعها هذا، هي المُصابة بسرطان الثدي ـ مناخاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً تعيشه البرازيل حالياً، وتُظهِر حدّة الاختلاف بين الأجيال، والصدام الحاصل بينها، من دون تناسي العلاقات القائمة بين كلارا وأولادها وحكاياتهم، وبين كلارا ونفسها ورغباتها وأحلامها، والمآل التي بلغتها.


هذا كلّه يختلف، جذرياً، عن فيلم الافتتاح "إجازة عائلية" (تشيلي، 2015) لريكاردو كارّاسكو، الذي يُفترض به أن يكون كوميدياً، لكنه يفقد مفردات هذا النوع السينمائي، لشدّة بهتانه وسطحيته، ولفقدانه حدّاً معقولاً من الأداء التمثيلي السوي. فالعائلة، المؤلّفة من زوجين وولديهما، تريد الإبقاء على المظاهر المعتادة لها أمام الجيران، بعد أن أصبح الزوج/ الأب عاطلاً عن العمل. والإجازة التي تروّج العائلة لها أمام الجميع، تجعل أفرادها منزوين داخل منزلهم، في مفارقات يُراد لها أن تثير بعض الضحك، من دون أن تبلغ هذه المرتبة.

في البرنامج، هناك فيلمان آخران تمّ إنتاجهما العام الفائت أيضاً: "الأسير الإيرلندي" (الأرجنتين) لكارلوس ومارتشيلا سيلفا يا ناسوتي، و"سحر كولومبيا البرّية" (كولومبيا) لمايك سْلِي: يروي الأول قصة حب بين أرملة وأسير إيرلندي كان يحارب مع الجيش الإنكليزي أثناء غزوه بوينس أيريس. أما الثاني، الأقرب إلى النوع الوثائقي، فيُقدِّم صُوَراً عن أفضل ما في الطبيعة الكولومبية، والتنوّع البيولوجي، عبر التقاط نبض الحياة التي تعيشها مخلوقات كثيرة في طبيعة ساحرة.
في "انحراف" (إسبانيا، 2014) لآلفارو فرنانديز آرميرو، يواجه ثنائيّ ريفيّ تحديات عديدة. لكن، عندما يقع إخوته وأخواته في مشاكل مختلفة، فإنه لن يتردّد عن دعمهم ومساعدتهم على حلّها. وهذا ما يواجهه بائعٌ يتجوّل في مناطق هشّة، في "عشّ الغراب" (سلفادور، 2014) لآرتورو ماننديز، عندما يستلم رسالة ابتزاز تدفعه إلى البحث عن مخرجٍ من المأزق. أما "بداية الوقت" (المكسيك، 2014) لبرناردو آريلاّنو، فيتابع يوميات زوجين متقدّمين في العمر يقعان في مشكلة كبيرة، تتمثّل في توقّف دخلهما الشهريّ.

إلى ذلك، يستند "تشي بيكاسومي" (باراغواي، 2011) لإيرمس مِدينا فاليانتي على قصة حبّ حقيقية، بين سيسيليو فاليانتي ولويزا كارمونا، علماً أن الأول يؤلِّف إحدى أجمل قصائده بفضل هذا الحبّ العاصف في قلبه إزاءها. قصة حقيقية ثانية يرويها "العائد" (فنزويلا، 2013) لباتريسيا أورتيغا: شوليوالا (10 أعوام) تشهد أفعالاً جُرمية وعنفية في بلدتها، ما يدفعها إلى الهرب والسعي إلى التأقلم مع شروط الحياة المختلفة، التي تُفرض عليها. أما الوثائقي "الخط الأحمر" (البرتغال، 2012) لخوسي فيليبي كوستا، فيعود مع مخرجه إلى حقبة حسّاسة في البلد، عندما أنجز أول فيلم له، الذي كشف احتلال "تورّي بيلاّ" في "ريباتيجو".

دلالات

المساهمون