ياسمينة خضرا: يؤسفني أن يُنظر إليّ ككاتب فرنكوفوني

ياسمينة خضرا: يؤسفني أن يُنظر إليّ ككاتب فرنكوفوني

26 أكتوبر 2016
ياسمينة خضرا ( جويل ساغيت/ Getty)
+ الخط -
كيف الوصول إلى ياسمينة خضرا الكاتب والروائي ذائعِ الصيت، وهو محمد مولسهول المتكون ضمن مؤسسة الجيش الجزائري، أليس في هذا ما يثير الإعجاب والاستغراب في آنٍ واحد ؟

لم تمنع تجربتي في الجيش ميولي الأدبية الجامحة منذ صغري. أبي هو الذي شاء أن أكون ضابطاً، وأن أدرس في المؤسسة العسكرية في التاسعة من عمري. كنتُ طفلا غير قادر على معارضته. خضت تجربة الكتابة باكراً، وكتبت أول مجموعة قصصية قبل الحادية عشرة. وما استطاعت قرابة أربعة عقودٍ قضيتها في الخدمة العسكرية أن تطفئ وهجَ الأدب في داخلي. وها أنتم تحاورون الكاتب لا الضابط.

نعم، نحاور الكاتب ياسمينة خضرا، الاسم الذي استعاره ضابط الجيش قبل أن يعلم القارئ أنه اسم زوجته، هل يمكننا معرفة شعور الزوجة الكريمة التي قالت لك "منحتني اسماً للحياة، وأنا أمنحك اسماً للخلود "؟


تحدثت وزوجتي كثيراً في ذلك. كانت تعتزُّ لأنني حامل اسمها في عالم الأدب. وأنا فخور باختياري هذا الاسم السامي الموروث من عائلة جزائرية عريقة عراقة الأصول الأمازيغية العربية المسلمة. وأعتزّ بالثقة التي منحتني إياها وبتضحياتها في أحلك ظروف الحياة. فلولاها لَما تكلّل كفاحي بالنجاح .

بدأت الكتابة الشعرية باللغة العربية، فلماذا أصبحت كاتباً روائياً ولم تصبح شاعراً؟

أجيبك ببساطة: لأن تجربتي الشعرية لم تكن في مستوى أجدادي من بنِي لسهول. فأنا لا أملك فصاحتهم ولا الأبعاد الروحية لصوفيّتهم. تحكي الأسطورة المتداولة أن جدي الأكبر، الذي تتلمذ على يده كثير من الأئمة والشخصيات التاريخية في زاوية مولسهول الواقعة على أبواب الصحراء الجزائرية، كان حين يلقي قصيدة تنطفئ الشموع من حوله من هبة الشعر. حاولتُ مرة تقليده بقراءة الشعر أمام شمعة لكن الشمعة لم تتحرك قيد أُنمُلة. وبالمقابل، حينما أكتب النّثر بالفرنسية لا أجد عائقا أمام مخيلتي، فاُعبِّر بحرية عما يجول في خاطري. مما يجعلني الكاتب الفرنكوفوني القادر على التعبير بحساسية عربية عن واقعه ورؤيته إلى العالم خارج حدود بلده.
جاء ولعي بالأدب نتيجة قراءاتي الأولى باللغة العربية، لا باللغة الفرنسية. حيث كوّنتْ "كليلة ودمنة" مخيلتي الحكائية إذ كنت أرى في قصصها نوعا آخر من ابتكار الذات ومن الهروب الذي يبتعد بنا عن حيوانية الإنسان لاكتشاف إنسانية البشر على لسان الحيوانات. إذاً قرأت "كليلة ودمنة" بالعربية وأكاد أجزم بأن أية ترجمة ستكون قاصرة عن تقديم روعة النص بالعربية.

ما علاقاتك بالعالم العربي؟ هل تؤمن بفكرة القومية العربية التي تجمع العرب وتوحّدهم؟

قبل الحديث عن القومية العربية، أقول: حالياً، لاوجود لشيء يسمى بالوطن العربي. العرب يعيشون اليوم في بلدان مجزّأة. وكم أتمنى، كأي مثقف عربي، أن تستيقظ الشعوب العربية من سباتها العميق وتتطلع إلى مستقبل واحد. علينا أن نعي حقيقة المصير المشترك الذي يجمع هذه الشعوب. وهو مصير تعزّزه نظرة الغرب إلينا بوصفنا عربا مسلمين سواء أكُنّا تونسيين أم قطريّين أم من مورتانيا. تنطوي هذه النظرة على رفض الآخر وعلى العنصرية والإقصاء. لأنها تقدم صورة نمطية للعربي الذي يقود قافلة في الصحراء ويرتدي عباءة ناصعة البياض ترمز إلى "أمراء البترول". إنها نظرةٌ تجافي حقيقة اختلاف الشعوب باختلاف موقعها الجغرافي. كما تخفي رغبة الشعوب العربية في مواكبة التقدم الحضاري الذي قد يجعل منها قوة تحقق إنجازات ثقافية وأخلاقية ذات طابع عربي إسلامي.

هل تعتقد أن بإمكان كاتب يعيش في أوروبا أن يوازي بين عقيدة الغرب المهيمن تحت راية العولمة ورأس المال، والعالم العربي الذي لا يزال يعيش أمجاداً ماضية باحثاً عن النِديَّة مع هذا الغرب؟

لا ينبغي أن يبحث المثقف العربي في عيون الغرب عن علامات الرضى، بل عليه أن يجرؤ على الكتابة المجسدة لكيانه الإنساني العربي. فالمجد الذي نستبدل به ضمائرنا ليس مجداً. لذلك أجد أن الجوائز الأوروبية تُمنح للمثقفين الذين تنطبق عليهم معايير الفكر والقيم الغربية. أقول هذا وأنا أدرك صعوبة رفع هذا التحدي.
بإمكاننا ككُتّاب مواصلة كفاحنا. لكن من المُجدي أن تشجعنا بلداننا ونحن نُعاني في الغربة قسوة النظرة الغربية. فمهما بلغت إبداعية أقلامنا في المنفى، سيدرك الغرب أنها تسيل حبرا ينبض به قلب الوطن. وأنا شخصيا أعاني من تجمعات "اللوبي" القوية التي تحاول منذ ستة عشر عاما تشويه سمعتي، بنشر الأكاذيب عني وبإقصائي. ومع هذا، لا يزال القراء يتابعونني وينتظرون إصداراتي. لذلك أرى في عيون قرّائي وطني الذي هو مَلاذي.
هذا الشعور يقويني ويجعلني أتشبّث بمبادئي العربية الأمازيغية المسلمة. يؤسفني أن يُنظر إليَّ في العالم العربي على أني كاتبٌ فرنكوفوني يؤلف بلغةٍ لا تشبه لغتهم مع أنها مشبعة بروح البدويِّ المتمسك بأصالته، مثلما يشهد الغرب نفسه الذي لم يغفل عن التنويه بتجديدي للفرنسية بفضل هذه الخاصية.
يثير استغرابي اعتباري الكاتبَ العربيَّ الأكثر قراءة وترجمة في العالم، وتكريمي في بلدان أجنبية كثيرة، بينما لم أُكرَّم في أيِّ بلد عربي، مع أنني أحمل محبة "الوطن العربي" زاداً في قلبي، فضلاً عن حرصي على التعبير عن مشاعر العروبة التي تُلازمني في المُلتقيات الأدبية العالمية.


تترافق رواياتك مع أحداث عالمية وتاريخية. كرواية المعادلة الأفريقية، وسنونوات كابول، وصفارات بغداد، وليلة الرئيس الأخيرة، حيث تتناول الأيام الأخيرة من حكم معمر القذافي... أما في "الله لا يسكن هافانا" فيحط القارئ في كوبا ليخترق عوالم هذا البلد عبر رواية اعتبرها النقاد "أنشودةً أزليةً للحياة". لِمَ الذهاب إلى كوبا في روايتك الجديدة؟

لم أكتب روايات تتعلّق بالأحداث العالمية فقط، بل كتبت رواية بوليسية وقصصا قصيرة أيضاً. وشاركت في كتابة السيناريو. يسعدني ما لاقاه الكتاب الأخير من نجاح فور صدوره ليصبح حديث الموسم الأدبي الجديد. أما روايتي التي تدور أحداثها في كوبا وبطلها مغنٍّ يفقد عمله ويقع في حب فتاة لتتغير نظرته إلى الحياة، فوقّعتُ عقد نشرها في دار "جوليار" عام 2014 قبيل زيارة البابا فرانسيس والرئيس أوباما إلى كوبا. وفيها أعبر عن إعجابي بشعب عانى من نظام يوصف بالديكتاتورية. وعاش عقودا تحت حصار اقتصادي قاسٍ. ومع ذلك استمر في احتفائه بالحياة وبروح المقاومة. أردتُ عبْر شخصية البطل، سردَ قصة جميلة تبعث تفاصيلها فينا روح الحياة والحب.


دلالات

المساهمون