"روكتمان" وسينما السِيَر: مُشاهدة من داخل عقل إلتون جون

"روكتمان" وسينما السِيَر الحياتية: مُشاهدة من داخل عقل إلتون جون

07 اغسطس 2019
"روكتمان": لا حدود بين الممثل والموسيقيّ (فيسبوك)
+ الخط -
هناك مشكلة سينمائية كبيرة في أفلام السِيَر الحياتية، المتعلّقة بالمشاهير: قصصها وحبكاتها ونقاط التحوّل فيها صارت معتادة إلى درجة الملل، إذْ تبدأ من مرحلة طفولة/ مراهقة واكتشاف الموهبة، ثم بداية النجومية، وتحقيق النجاح، وبلوغ القمة. بعدها، يأتي الفشل، فالسقوط والمعاناة مع المخدرات أو الكحول أو الهوية الجنسية، أو هذا كلّه. أخيرًا، يتمّ التغلّب على المعاناة، وإكمال المسيرة بنجاحٍ أكبر.
تلك نقاط اعتمدها حرفيًا Bohemian Rhapsody، الذي أنجزه براين سينغر عن سيرة فريدي ميركوري، العام الماضي (2018). لهذا، لم يكن مُثيرًا للاهتمام عرض فيلم سيرة آخر هو Rocketman، جديد دكستر فلاتشر، عن حياة البريطاني إلتون جون، أسطورة الـ"روك أند رول". للوهلة الأولى، يتبنّى الفيلمُ البناءَ القصصي نفسه، والجماليات السينمائية المعتادة في أفلام هذا النوع.


لكن، وراء تلك القشرة، تميّز "روكتمان" (2019) بتفاصيل فريدة، جعلته مختلفًا.
بداية، هناك قرار شديد الذكاء بأن يبدأ الفيلم من داخل مشفى العلاج من الإدمان، فيروي إلتون جون حياته بأسلوب "فلاش باك". هذا ليس جديدًا بالطبع، لكنّه منح الفيلم مساحة حزن وعذوبة، ومنظورًا ذاتيًا من جون إزاء حياته. صار الفيلم يميل تلقائيًا إلى الأسباب التي أدّت به إلى المشفى، بدلاً من الاحتفاء الفارغ بنجاحاته وحياته، من دون منظور محدَّد، كما في فيلم سينغر مثلاً. لذلك، حين يظهر جون طفلاً أو مراهقًا، وحين تبدأ نجاحاته، تظلّ صورته في بداية الفيلم (داخل المشفى) عالقة في الأذهان. ثم هناك متابعة التفاصيل الأسرية والإنسانية المؤثّرة، أكثر من قصّة النجاح نفسها.
نقّاد أخذوا على "روكتمان" كآبته، معتبرين أنّه سوداويّ أكثر من اللازم. لكن، في الحقيقة، ربما يكون هذا "نقطة" القوّة الأساسية: مُشاهدة الفيلم من منظور رجل تداعت حياته، وهو داخل المشفى الآن يتعافى، محاولاً اكتشاف السبب.
أمر آخر جعل فيلم دكستر فلاتشر مميّزًا: منظور "ميوزيكال ـ فانتازي" في تناول الأحداث. ذلك أنّ فلاتشر بذل جهدًا خارقًا لإثارة شعور بمشاهدة الفيلم من داخل عقل إلتون جون. هناك أحداث ومسارات تقليدية، والفيلم لم يتحرّر تمامًا من الثنائية المعتادة "الصعود ـ السقوط". يُعاني جون طفولة هشّة، وعلاقة عاطفية مستغلّة، ونبذًا أسريًا بسبب هويته الجنسية. يُدمن على الكحول ويتعاطى المخدرات هربًا من هذا كلّه.
بهذا المعنى، يسير الفيلم على النقاط المتوقّعة، لكنه يتناولها بشكلٍ سينمائي للغاية، عبر الخيالات الموسيقية لبطله. أمرٌ يتجاوز تتابع الأغاني والمحطات الناجحة، جاعلاً إياها جزءًا من نسيج الفيلم وحياة جون، والأحداث التي مرّ بها، وربطها بالأغاني. شكل يقترب ممّا فعله آسيف كاباديا، عام 2015، في فيلمه الوثائقي "إيمي"، عن إيمي واينهاوس، عندما ربط أغانيها بحياتها بطريقة مؤثّرة للغاية. الفرق هنا أنّ فلاتشر يستخدم فانتازيات إلتون جون وخيالاته لتصوير الأغاني.



إلى المنظور السردي والجرأة التنفيذية، كأهم نقطتين تميّزانه، وتجعلانه مختلفًا فعليًا عن أفلام السِيَر الحياتية الأخرى، لا يخلو "روكتمان" من ميزة "الجماليات المعتادة"، إذا صحّ التعبير: فالديكور والأزياء تعيد إحياء حقبة كاملة، والتصوير متقن للغاية، والأهمّ الأداء الممتاز جدًا لتارون إيغرتون، الذي يجعل المُشاهد يصدّق أنه يرى إلتون جون نفسه، فهو لا يتوقف عند محاكاة الملامح والتصرّفات ونبرة الصوت فقط، ولا حتّى المجهود الضخم والواضح في مَشاهد الغناء، بل يتوحّد بشكل حقيقي مع معاناة شخصٍ، ظلّ يحمل في داخله وحدة الطفولة في كلّ لحظة، رغم كلّ ما حقّقه من نجاح.
في المراحل كلّها، جعل إيغرتون الشخصية آدمية للغاية. وإذا سارت الأمور بشكل منطقي، ولأنّ "أوسكار" يميل دائمًا إلى هذا النوع من الأداء، فإنّ فوز الممثل بالتمثال الذهبي مسألة وقت، وعن استحقاقٍ هذه المرّة.

دلالات

المساهمون