سيلفستر ستالون في "كانّ 2019": عودة البطل

سيلفستر ستالون في "كانّ 2019": عودة البطل

13 مايو 2019
سيلفستر ستالون: بطولات لا تنضب (Getty)
+ الخط -
سيلفستر ستالون في مهرجان "كانّ". مشاركته في دورته الـ72 (14 ـ 25 مايو/ أيار 2019) مرتبطة بإطلاق جزءٍ جديد من السلسلة الأشهر في سيرته المهنيّة، "رامبو"، هو الخامس بعنوان "دم أخير" (2019) لأدريان غرونبِرغ؛ وبعرض نسخة مُرمَّمة من الجزء الأول، "دم أول" (1982)، لتَدْ كوتشيف (مساء الجمعة، 24 مايو/ أيار 2019، في "قصر المهرجانات"). سلسلة سينمائية منبثقة من كتاب "رامبو" (1972) للكندي ديفيد مورّيل (1943)، ومنطلقة في الصالات الدولية بدءًا من عام 1982. لستالون فيها وظيفتان ثابتتان: التمثيل، وكتابة السيناريو مع آخرين. يتولّى إخراج جزء واحد فقط، هو الرابع: "جون رامبو" (2008).

الحكاية تُختصر بشخصية جون رامبو (ستالون). جندي أميركي يعود إلى بلده مُحمّلاً بآثار حرب فيتنام (1955 ـ 1975)، وينتقل من مدينة إلى أخرى، بحثًا عن آخر رفيق من رفاق السلاح. يكتشف أنه متوفٍ إثر إصابته بمرضٍ سرطاني، ناتج عن مواد سامّة مستخدمة في الجيش الأميركي أثناء تلك الحرب. يتعرّض لتحدّيات شتّى. يواجه أشباحه وماضيه عبر صراع مع شرطة إحدى البلدات الريفية. مصائب وآلام. صورة تعكس شيئًا من بؤسٍ متأتٍ من حربٍ، يدفع أميركيون كثيرون ثمنها أعوامًا طويلة. يُستَقبَل الفيلم جيدًا، هو المُنجز بعد أعوام على رائعتين من روائع أفلام تلك الحرب: "صائد الغزلان" (1978) لمايكل تشيمينو (1939 ـ 2016)، و"الرؤيا الآن" (1979) لفرنسيس فورد كوبولا (1939). فيلمان يبدأان نقاشًا متنوّعًا عن الحرب والسينما والفرد والتداعيات والصورة، بلغة سجالية رافضة وحادّة.

"دم أول" يحاول إكمال هذا بلغة أخرى، مستعينًا بفردٍ يواجه ماضيه ومآزقه النفسية والروحية والاجتماعية، فيُحقِّق إيرادات دولية تساوي 125 مليونًا و212 ألفًا و904 دولارات أميركية، مقابل ميزانية إنتاج تبلغ 15 مليون دولار أميركي فقط.


المزج بين الذاتي والعام أساسيّ. تفكيك البُنى الاجتماعية والنفسية والانفعالية عاملٌ مهمّ في بناء شخصية جون رامبو. الصدام الحاصل بين رامبو، العائد إلى بلده كمن يبقى في متاهات الموت والعنف والدم والخراب، والبيئة الاجتماعية القادم إليها، ينتج من أسئلة مطروحة على الاجتماع الأميركي لحظة الانغماس الكلّي للإدارة السياسية والقيادة العسكرية والآلة الاقتصادية في تلك الحرب. رواية "رامبو" مكتوبة قبل أعوام قليلة على انتهائها. يُنجز الفيلم بعد 7 أعوام فقط على نهايتها. الأسئلة تعصف بالبنيان الأميركي. لهذا، يُصبح "رامبو: دم أول" أشبه بمرايا تعكس غليان الناس والمجتمع والأفكار والصناعة والسياسة.

هذه ميزة له. هذه بداية دربٍ سينمائي لممثل ينخرط في صناعة الفن السابع، من دون أن يعثر على ألقٍ تمثيلي يريده فيعجز عن الحصول عليه، إلا لمامًا. الأفلام اللاحقة في السلسلة تُسرف في العنف والتشويق والمبالغة. تحاول أن تواكب تحوّلات السياسة في العالم. تريد أن ترافق الحرب الباردة قبل توقّفها إثر سقوط جدار برلين (9 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989) وزمن البريسترويكا (1985 ـ 1991). الجزء الثالث مثلاً (1988) لبيتر ماكونالد يذهب إلى أفغانستان، في حربها ضد غزو واحتلال سوفياتيين. هذا حاصلٌ بعد عودته إلى فيتنام، في "رامبو: دم أول، الجزء الثاني" (1985) لجورج بان كوزماتوس، بحثًا عن أسرى أميركيين متروكين في سجون فيتنامية شيوعية. في الجزء الذي يُخرجه، يُقدِّم ستالون نفسه إنسانًا رافضًا الحرب والعنف والدم، ومُقيمًا في عزلة تايلندية. لكن بعثة دينية مسيحية تتعرّض لوحشية إرهابيين من بورما، ما يدفع جون رامبو إلى إنقاذها، بوحشيته المعتادة.

4 أجزاء في 26 عامًا، بتكلفة إنتاجية تساوي 168 مليون دولار أميركي، تتمكّن من حصد إيرادات دولية تبلغ 727 مليونًا و873 ألفًا و237 دولارا أميركيا. هذه شهرة سيلفستر ستالون (1946). لائحة أفلامه مليئة بعناوين مختلفة، يغلب عليها التشويق والقتل والعنف، وبعضها يحاول أن يكون كوميديًا. نادرًا ما يكون له فيلمٌ يكشف براعته الأدائية، كـ"كوبلاند" (1997) لجيمس مانغولد. لائحة تتضمّن وظائفه المتنوّعة، ممثّلاً ومخرجًا ومنتجًا وكاتب سيناريو، تبدأ أواخر ستينيات القرن الـ20، وتستمرّ إلى لحظة عرضه مقتطفات من الجزء الخامس في مهرجان "كانّ 2019"، إلى جانب تلك النسخة المُرمَّمة من فيلم افتتاح السلسلة.

هناك سلسلة ثانية تُساهم في صنع شهرةٍ وحضور وتفاعل. تبتعد عن عنف الحروب والأسئلة الشائكة والمعلّقة، وحيوية التشويق التجاري المُحبَّب لدى مُشاهدين كثيرين. تبتعد عن الصورة المثالية للأميركي الوطني الذي، بطرحه أسئلة الحرب والخراب النفسي والدمار الروحي على بلده، يدافع عنه دائمًا، وعن رفاق السلاح، وعن مواطنين وأفراد يواجهون تنانين الإرهاب والقتل والنهب. سلسلة ثانية تعتمد على شخصية مُلاكم يحمل، هو أيضًا، شيئًا من تلك البذرة الوطنية الأميركية، لكنه يمتلك حساسية انفعالية أقوى وأعمق، ويواجه صِدَام مسألتين يعيشهما ويعاني تداعياتهما: خطواته الثابتة باتجاه الانتصار في حلبات الملاكمة، وتداعي الحياة حوله، بدءًا من موت مدرّبه العجوز ميكي غولدميل (بورغس ميريديث)، ثم زوجته أدريان بينّينو (تاليا شاير) وصديقه/ منافسه السابق أبولو كريد (كارل ويثرس)، وصولاً إلى شيخوخته ومرضه السرطانيّ.

لكن "روكي" يسبق "رامبو". عام 1976، تبدأ الملحمة الأجمل في السيرة المهنية لسيلفستر ستالون، وتستمرّ بأشكالٍ مختلفة، إذْ ينتقل روكي بالبوا من الملاكم ـ الذي يتحدّى ويواجه وينتصر على العدو السوفياتي، في الجزء الرابع (1985)، لستالون مخرجًا وكاتبًا أيضًا ـ إلى مدرِّب يحاول ترميم ذاته ولملمة أشيائه المبعثرة. زمن الجزء الرابع هذا غارقٌ في الحرب الباردة، ورئيس البلد هو رونالد ريغان، والسينما الأميركية الهوليوودية مهووسة بالصراع ضد الشيوعية. رغم هذا المنعطف السياسي المباشر والفجّ، تبقى سلسلة "روكي" أكثر إنسانية، ويبقى روكي بالبوا الرجل المتخبّط بين سيرته المهنية وعائلته التي يُحبّ وأصدقاؤه الذين يموتون حوله، محاولاً ـ في كلّ مرة ـ أن يخرج من حزنه الداخلي ومن خوفه وقلقه، إما بالعودة إلى الحلبة، أو بمرافقة دوني جونسن كريد (مايكل بي. جوردان)، ابن صديقه القديم أبولو، إلى الحلبة.

المتداول عن الجزء الخامس من "رامبو" قليلٌ. جون يتوجّه إلى المكسيك لإنقاذ ابنة صديقٍ له يخطفها رجال أحد "كارتلات" المخدرات هناك. هذا كافٍ لمن يُتابع حكايات السلسلة. المفردات الأساسية واضحة: الخطف يعني تورّط رامبو في عملية مشوّقة، فالمخطوفة ابنة صديق، وهو وفيّ لأصدقائه. هناك المكسيك أيضًا، وهناك من ينتظر إحصاء عدد القتلى والجرحى الذين ربما يتساقطون أمام من يأبى أن يشيخ في الزمن والحياة والسينما.

المساهمون