ما تداعيات أزمة السفراء على الليرة والاقتصاد التركي؟

ما تداعيات أزمة سفراء الغرب على الليرة والاقتصاد التركي؟

25 أكتوبر 2021
أردوغان يولي اهتماماً كبيراً بتنشيط الصادرات (Getty)
+ الخط -

زاد قرار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، طرد 10 من السفراء الغربيين من بلاده من منسوب التوتر في العلاقات بين أنقرة وبلدان غربية، وبات السؤال المطروح بقوة في ردهات المصارف الغربية التي تتربح من أزمة الاقتصاد التركي والفائدة المصرفية المرتفعة التي تجنيها من قروضها للبلاد هو: هل يصبح الاقتصاد التركي رهينة التوتر المتزايد لعلاقة أنقرة مع الحلفاء الغربيين؟

ورغم مخاوف بعض المحللين الأتراك من أن تترك أزمة السفراء الحالية تأثيرات سلبية على الاقتصاد التركي، لكن مصادر قريبة من دوائر صنع القرار أكدت في المقابل أن الحكومة التركية تتحسب منذ مدة للضغوط الغربية وتضع بدائل لخفض تبعيتها لأدوات وأسواق المال الغربية التي باتت تهدد سيادة قرارها الاقتصادي والسياسي.

ويرى محللون أن قرار الرئيس التركي طرد 10 من السفراء الغربيين من بينهم السفير الأميركي، ربما سيفاقم من الضغوط المالية على تركيا وتحديداً على سعر صرف الليرة على المدى القصير.

وكان السفراء الغربيون قد طالبوا بالإطلاق الفوري لرجل الأعمال التركي، عثمان كفالة الذي تحتجزه تركيا منذ العام 2017 وتتهمه بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في العام 2016. وبينما تعتبر تركيا أن هذه المطالبة "تدخل سافر" في السيادة الوطنية والشؤون الداخلية، يرى الغربيون أنها تدخل في إطار تنفيذ اتفاقيات حقوق الإنسان.

في شأن أسباب التوتر الغربي التركي، يرى تحليل في معهد "كارنيغي يورب" للدراسات الاستراتيجية، أن "تركيا تحولت كثيراً من موقعها كركيزة أساسية يعتمد عليها حلف الناتو خلال الحرب الباردة إلى قوة مزعجة لاستراتيجيات الدول الغربية خلال السنوات الأخيرة".

 لدى تركيا طموح اقتصادي كبير في دخول نادي العشرة الكبار خلال السنوات المقبلة، وقال أردوغان بداية 2019، إن بلاده أصبحت في المرتبة 13 بين أكبر اقتصادات العالم

ويقول الزميل بالمعهد، مارك بيريني، في تحليله، إن الغرب يشعر بالانزعاج من التدخل العسكري وتزايد النفوذ التركي الخارجي وتزكية الأهداف الوطنية"، وبالتالي يرى بيريني المتخصص في شؤون أوروبا والشرق الأوسط، أن تركيا ستدفع ثمن هذا الانزعاج سلباً في علاقاتها مع الحلفاء الغربيين وحلف شمال الأطلسي الدفاعي "ناتو" في المستقبل، كما يرى أن أنقرة ستتعرض لضغوط اقتصادية ومالية.

ويواجه الاقتصاد التركي الذي يقدر حجمه بنحو 765 مليار دولار، حسب بيانات البنك الدولي ويقارب التضخم فيه نسبة 20%، صعوبات مالية منذ أكثر من عام كما عاشت العملة التركية فترات صعبة من التأرجح الحاد، أخرها التراجع إلى أكثر من 9.5 ليرات مقابل الدولار في نهاية الأسبوع الماضي.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

في هذا الصدد، يرى رجل الأعمال التركي عمر كوك، أن معدل التضخم الذي يقارب 20% يضع الحكومة التركية أمام خيارات مُرة. وقال في تعليقات نقلتها صحيفة " فاينانشيال تايمز" البريطانية: "لا توجد خيارات أمام الحكومة سوى خفض سعر صرف الليرة، أو إجراء إصلاح اقتصادي يساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية".

وفي بداية القرن الجاري مرت تركيا بأزمة حادة كادت أن تؤدي إلى إفلاس الاقتصاد التركي، وقتها تدخل صندوق النقد الدولي وفرض وصفة قاسية ساهمت في إخراج البلاد من أزمتها المالية.

لكن حاليا تشدد الحكومة التركية على أن لديها خيارات أخرى لمواجهة الأزمة الحالية المتعلقة بسعر صرف الليرة وزيادة التضخم، يساعدها في ذلك زيادة إيرادات البلاد من النقد الأجنبي خاصة من قطاعات حيوية كالصادرات والسياحة، فإيرادات الصادرات المتوقعة هذا العام تزيد عن 200 مليار دولار.

ويشير محللون إلى أن جائحة كورونا فاقمت أزمة الليرة التركية التي كانت تعاني أصلاً من ضغوط المصارف التجارية الغربية التي ترغب في بقاء الفائدة المصرفية مرتفعة.

كما يعاني الاقتصاد التركي كذلك من القلق الغربي المتزايد بسبب النفوذ التركي الخارجي والتقدم السريع في صناعتها الدفاعية، وبالتالي منافسة الشركات التركية للصناعات العسكرية الغربية في أسواقها التقليدية.

ولدى تركيا طموح اقتصادي كبير في دخول نادي العشرة الكبار خلال السنوات المقبلة، وقال الرئيس أردوغان في تصريحات سابقة بداية العام 2019، إن "بلاده أصبحت في المرتبة 13 بين أكبر اقتصادات العالم وفقاً لتعادل القوة الشرائية، وسترتقي إلى مرتبة أعلى نهاية العام الجاري"، وذلك وفق وكالة الأناضول التركية.

وبالتالي فإن الطموحات التركية في الصعود الاقتصادي السريع والتقدم الصناعي والعسكري وتزايد النفوذ يرفع من احتمال تحول تركيا من صفوف الدول الناشئة إلى الدول المتقدمة.

ومعروف أن "تركيا ــ أردوغان" ليست "تركيا ــ أتاتورك" العلمانية التي تتفق أهدافها واستراتيجياتها مع حلف " ناتو" وتخدم المصالح الغربية وفق مراقبين. وبالتالي ربما لن يكون مقبولاً لدى الحلفاء الغربيين وفقاً للنظام العالمي الحالي صعود "تركيا ــ أردوغان".

 تتخوف الحكومة التركية من التداعيات السلبية للدين الخارجي على نمو الاقتصاد بسبب الفائدة المرتفعة

من جانبها تضع الحكومة التركية بدائل لمواجهة الضغوط الاقتصادية والمالية المتوقعة من الحلفاء الغربيين كما تؤكد مصادر قريبة من دوائر صنع القرار التركي.

من بين البدائل التي تقوم بتنفيذها أنقرة لمواجهة الضغوط الغربية، توسيع علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الاقتصادات الناشئة والنامية لزيادة حجم التبادل التجاري، كما نفذت مجموعة من "الصفقات التبادلية" لتقليل انكشافها على الدولار والعملات الأجنبية. وكان أردوغان قد زار قبل أيام عدد من الدول الأفريقية.

على الصعيد النقدي تعمل الحكومة التركية على تقليل حاجتها للعملات الصعبة، خاصة وأنها تواجه أعباء متزايدة لخدمة الدين الخارجي وسط الفائدة البنكية المرتفعة الحالية، كما أن معظم الديون قصيرة الأجل، وهو ما يعني مزيداً من الضغوط على الليرة التركية والاحتياط الأجنبي بالبنك المركزي التركي من العملات الأجنبية.

ويقدر خبراء أن يواجه الاقتصاد التركي على المدى القصير ارتفاع خدمة الدين الخارجي الذي يقدر بنحو 448.4 مليار دولار حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، وهو ما يعادل 61.5% من إجمالي الناتج المحلي، لكن صافي الدين الخارجي التركي يقل كثيراً عن هذا الرقم، ويقدر بنحو 262.1 مليار دولار، وهو ما يعادل نحو 36% من إجمالي الناتج المحلي بنهاية الربع الأول، وذلك حسب بيانات وزارة المالية التركية.

وصافي الدين الخارجي هو الرقم الصافي بعد خضم ديون الحكومة التركية المستحقة على جهات أجنبية. من جانبها تقدر المفوضية الأوروبية صافي الدين الخارجي التركي بنحو 249 مليار دولار.

وبالتالي تتخوف الحكومة التركية من التداعيات السلبية للدين الخارجي على نمو الاقتصاد بسبب الفائدة المرتفعة في تركيا التي بلغت 19% قبل الخفوضات الأخيرة التي هبطت بنسبتها إلى 16% نهاية الاسبوع الماضي.

ولا تؤثر الفائدة التركية المرتفعة سلباً فقط على نمو الاقتصاد الكلي في تركيا ولكنها تؤثر كذلك على ربحية الشركات المحلية التي تستدين بالدولار لتمويل عمليات التوسع التجاري.

من هذه الزاوية يمكن النظر لإصرار الرئيس أردوغان على خفض معدل الفائدة رغم الانتقادات المكثفة من المصارف التجارية الغربية ومخاطر ارتفاع معدل التضخم الذي يقارب 20% ومخاوف مسؤولي السياسة النقدية في تركيا.

  ويبدو أن سياسة أردوغان النقدية تتجه لإجراء خفض كبير في معدل الفائدة ربما لتصل الفائدة إلى أقل من 10% في المستقبل.

ولا يستبعد أن تضحي  الحكومة التركية بسعر صرف الليرة على المدى القصيرعلى أمل أن تتمكن العملة من فرض سعر صرفها على الأسواق العالمية عبر زيادة حجم الصادرات ودخل السياحة والاستثمارات الأجنبية.  

ومن بين الآليات التي تنفذها تركيا منذ مدة لمقاومة الضغوط الغربية وتراجع سعر صرف العملة، عمليات المقايضة أو ما يعرف بـ" مبادلة العملة" مع العديد من الدول. وهي عملية مفيدة في تخفيف الأزمات المالية على الاقتصاد من جهة، كما أنها تدعم الاحتياطي الأجنبي للبلاد وتعزز سعر صرف العملة الوطنية.

وقد نفذت تركيا  خلال الفترة الأخيرة عمليات مقايضة لليرة مع كل من الجنيه الإسترليني واليوان الصيني والين الياباني والريال القطري.

وكانت آخر عمليات "المبادلة النقدية" قد تمت مع كوريا الجنوبية في منتصف أغسطس/آب الماضي، حيث قايض البنك المركزي التركي نحو 17.5 مليار ليرة تركية مقابل 2.3 تريليون وون كوري جنوبي.

كما تعد تركيا لإجراء عمليات مقايضة مع كل من الصين وروسيا وإيران وأوكرانيا والعديد من الدول الأفريقية التي باتت شركاتها تنشط فيها بقوة.