غضب الشارع العراقي: هبوط الدينار يؤجّج الغلاء في الأسواق

غضب الشارع العراقي: هبوط الدينار يؤجّج الغلاء في الأسواق

07 يناير 2023
المضاربات تسيطر على سوق العملة (أحمد الربيعي/ فرانس برس) 
+ الخط -

يعيش المجتمع العراقي حالة من الترقب والقلق، وسط انكماش الأنشطة الاقتصادية، بسبب عدم استقرار سعر صرف الدينار مقابل الدولار وتصاعد المضاربات، مما أثر سلباً على عدم استقرار حركة السوق، مع ارتفاع أسعار السلع والمواد الاستهلاكية، فضلاً عن تأثير ذلك الارتفاع على زيادة معدلات الفقر وفق آخر إحصائية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية إلى 25 في المائة من عدد السكان الكلي.

ووصل سعر صرف 100 دولار إلى أكثر من 155 ألف دينار عراقي، بزيادة نحو 3 دولارات (ما يعادل 4500 دينار) عن سعر الصرف الرسمي المعتمد من قبل البنك المركزي العراقي، بينما تتزايد المخاوف من استمرار أزمة الارتفاع إلى زيادة خسائر التجار بسبب الركود، وزيادة الاضطرابات الاجتماعية، من بينها ارتفاع حالات الانتحار بسبب تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي إلى أكثر من 700 حالة، وفق المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق.

ويعدّ سوق الشورجة وسط بغداد من أكبر الأسواق الرئيسية في العراق، ويضم عدداً كبيراً من أكبر التجار في البلد، إلا أن الأجواء في هذا السوق بدت مُربكة بسبب الركود وعدم وجود إقبال على شراء البضائع، إذ أوقف كثير من التجار استيراد البضائع من الخارج، تحسباً لأي تغييرات جديدة على سعر صرف الدولار.

ويقول التاجر قيس عبد الكريم إنهم تكبّدوا خسائر كبيرة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار والركود الحاصل وتقلّص نسبة البيع قياساً بالفترات الماضية، بالإضافة الى صعوبة الحصول على العملة الصعبة لتغطية نفقات الاستيراد بسبب سيطرة جهات متنفذة تقوم بعمليات المضاربة. ويضيف عبد الكريم، لـ"العربي الجديد"، أن ارتفاع سعر صرف الدولار انعكس مباشرة على أسعار السلع والمواد الأساسية والكمالية، مما خلق الخشية والحذر لدى المستهلكين من استمرار ارتفاع الأسعار أكثر.

ويكشف عبد الكريم عن تعرض عدد من التجار لأزمات صحية نتيجة لما تلقوه من صدمة كبيرة وخسائر مادية بسبب الارتفاع المفاجئ لسعر صرف الدولار. لم يقتصر تأثير ارتفاع الدولار أمام الدينار على التجار والسوق فحسب، إنما انعكس تدهوراً في حياة المواطنين وواقعهم الاجتماعي.

وفي حديثٍ لـ"العربي الجديد" يقول الباحث الاجتماعي ولي الخفاجي إن التضخم الكبير الذي يشهده السوق مع ثبات رواتب موظفي الدولة بالعملة المحلية وارتفاع نسبة البطالة أثّرت بشكل كبير على الحالة المعيشية للمواطن، وعدم تمكنه من تلبية احتياجاته الأساسية. ويبيّن الخفاجي، لـ"العربي الجديد"، أن هناك متطلّبات أساسية تحتاج إليها العائلة العراقية؛ من تكاليف الكهرباء البديلة (المولدات الأهلية)، وأجور تعليم الأبناء والغذاء والنقل، وكلّها أساسيات أصبح المواطن العراقي غير قادر على تلبية نفقاتها.

ويوضح أن عدم قدرة المواطن على تلبية متطلبات العائلة زاد من المشكلات الاجتماعية، إذ ارتفعت نسب الطلاق وتعاطي المخدرات وبيع الأعضاء البشرية والمشاجرات العائلية التي أدّت إلى عمليات قتل متعمّد، مؤكداً وقوع حالات انتحار عديدة بسبب عدم استطاعة الأب توفير الحاجات الأساسية لأبنائه. ويقلل الخفاجي من أهمية تأثير ارتفاع الدولار على التجار وأصحاب شركات الصرافة، لأن عملهم مرتبط بحركة السوق، وكلما ارتفع سعر الدولار قاموا بدورهم برفع أسعار السلع والخدمات، والمتضرر الوحيد من هذا الإجراء هو المواطن وأصحاب الدخل المحدود.

وتواجه الحكومة العراقية ضغوطاً واسعة بسبب الانخفاض المتواصل في سعر صرف العملة المحلية، إذ بدأ الحديث عن عودة التظاهرات الشعبية وانطلاق جولة جديدة من الاحتجاجات، نتيجة الهبوط المفرط في سعر صرف الدينار أمام الدولار، وما خلفه من ركود في الأسواق وزيادة في أسّعار السّلع والخدمات.

ويرى الباحث الاقتصادي عبد السلام حسن أن الشارع العراقي يعيش حالة من الغضب، مما يدعو إلى احتمالية تجدّد التظاهرات وحدوث "ثورة جياع" قد تطيح رؤوساً كبيرة كما حدث في التظاهرات الماضية التي استمرت لفترة وحملت مطالب اجتماعية واقتصادية لا تزال غير محققة حتى اليوم.

ويشير حسن، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن ارتفاع سعر الدولار له حسابات خاصة تقف وراءها أجندات سياسية، تستهدف المواطن العراقي وتحاربه في قوته اليومي، على حد وصفه، متوقّعاً استمرار ارتفاع سعر الدولار حتى يتجاوز 160 ألف دينار عراقي لكل 100 دولار. وعن خسائر التجار وأصحاب شركات الصرافة في العراق يرى عبد السلام حسن أنها لا تعدّ خسائر كبيرة، وأن أصحاب رؤوس الأموال في السوق استغلّوا ارتفاع الدولار لتحقيق أرباح إضافية، من خلال رفع أسعار المواد الأساسية والاستهلاكية.

ويصف حسن الحلول التي قدّمتها الحكومة العراقية في مواجهة هذه الأزمة بـ "الحلول العشوائية" غير المدروسة، مضيفاً أن السلطات المالية في العراق ما زالت عاجزةً عن تحقيق التوازن في السوق، وتقديم الحلول الاستراتيجية اللازمة لضمان تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد.

المساهمون