عيد الفقراء في مصر: فتح حديقة الحيوان بعد انتقادات صندوق النقد

عيد الفقراء في مصر: فتح حديقة الحيوان بعد انتقادات صندوق النقد

22 ابريل 2023
داخل حديقة الحيوان في الجيزة (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -

أعادت حديقة الحيوان التاريخية في الجيزة فتح أبوابها أمام المواطنين خلال أيام عيد الفطر، لتقضي الأسر نزهة عائلية رخيصة، في ظل تصاعد مستويات الفقر وهبوط القدرة الشرائية للمواطنين. تراجعت الحكومة عن إغلاق الحديقة، التي سلمتها منذ شهرين لشركة تابعة لوزارة الإنتاج الحربي بهدف "تطويرها ورفع كفاءتها بإضافة خدمات وحيوانات جديدة، تضمن زيادة مواردها المالية". جاء التراجع عن الإغلاق مواكبا لتصريحات مسؤولين في صندوق النقد الدولي، الأسبوع الماضي، حول تخلي الحكومة عن تعهدها للصندوق بعدم تدخل شركات الجيش في الاقتصاد وسرعة طرح الشركات العامة للبيع، وتحقيق سعر الصرف المرن.

رفع يد الجيش

اعتبر مسؤولون في الصندوق، وفق مصادر "العربي الجديد"، أن إسناد تطوير حديقة الحيوان لشركات خاصة تابعة لوزارة الإنتاج الحربي بمثابة التفاف حول اتفاق يقضي برفع يد الحكومة والجيش عن 79 نشاطا، من بينها تجارة التجزئة والخدمات، مقابل تمويل يبلغ 3 مليارات دولار، والتنسيق مع الدول الداعمة للنظام بتقديم 12 مليار دولار قيمة استثمارات أجنبية مباشرة في السوق المحلية.

صرح الدكتور محمد رجائي، مدير حديقة الحيوان، للصحف، بفتح أبواب الحديقة اعتبارا من الجمعة أول أيام العيد، ولأجل غير مسمى، بسعر 5 جنيهات للفرد، وللأطفال مجانا، من الثامنة حتى الخامسة مساء. اعتبرت صحيفة "المساء" الحكومية البيان الصحفي " مفاجأة" للجمهور، الذي حرم خلال الفترة الماضية من حديقة الحيوان باعتبارها المقصد الأهم لنزهة العائلات، مشيرة إلى استقدام مجموعة جديدة من الحيوانات، تشمل سبع البحر والنمور البنغالية والزواحف والدببة الروسية والمها العربي والثعابين والزواحف.

أشار رجائي إلى تجميل الحديقة من الداخل والخارج، وزيادة خدمات المناطق الترفيهية، في إشارة إلى توفر الإمكانات المادية والعملة الصعبة، التي حالت خلال الفترة الماضية دون قدرة الحديقة على شراء ما فقدته من حيوانات، بعد موت الفيلة وعدد كبير من الحيوانات البرية. كانت وزارة الإنتاج الحربي قد أعلنت، بداية إبريل / نيسان الجاري، عن عزمها على بدء أعمال تطوير حديقتي الحيوان والأرمان الملاصقة لها، خلال إبريل، مع إغلاق الحديقة لمدة عام ونصف أمام الجمهور، للشروع في تنفيذ الأعمال، عقب استلامها خطة التصميم والتطوير النهائي للحديقتين.

وذكر محمد صلاح، وزير الإنتاج الحربي، في بيان صحافي، أن شركة الإنتاج الحربي للمشروعات والاستشارات الهندسية والتوريدات العامة هي المطور الرئيسي للمشروع، مع فريق تحالف خاص يضم شركة أبناء سيناء للتشييد والبناء وشركة خاصة لإدارة الحدائق والمنشآت الترفيهية، وشركة الأهلي فاروس التابعة للبنك الأهلي الحكومي.

وعد الوزير بالاستعانة بشركة وورلد وايد زوو المتخصصة في تدريب العمالة بحديقة الحيوان، وفقا للمعايير الدولية.

ملاذ الفقراء

وأعلنت الحكومة تنفيذ أول مشروع لخصخصة حديقة الحيوان، في بيان صدر عن وزارة الزارعة في يناير/كانون الثاني الماضي، وأكدت أنه "سيعيد حديقة الحيوان للتصنيف الدولي، الذي خرجت منه عام 2004 لعدم قدرتها على توفير الحرية الكافية للحيوانات بالعيش في بيئة طبيعية، وضغوط مالية حدت من زيادة أعدادها".

برر بيان الوزارة التحول بأن الحديقة لم تشهد تطويرا منذ إنشائها، متجاهلا في الوقت ذاته لافتات قديمة وحديثة معلقة على جدران متحفها، تحمل صورا لرؤساء ووزراء سابقين حول عمليات تطوير متعددة لم تتوقف على مدار قرن ونيف. يخشى معماريون ومحبو الحيوانات والبيئة تدمير التراث الحضاري والمعماري للحديقة، وحرمان الفقراء من متعة الجلوس بمتنزهاتهم الوطنية، وعدم وجود ضمانات بعدم رفع أسعار دخول التذاكر للطلبة والطبقة المتوسطة والفقيرة التي تبحث عن متنفس لنزهة عائلية شبه مجانية.

تحذر دراسة بحثية لوحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من التأثير السلبي لموجات الغلاء على معيشة الفقراء، وقدرتهم على تأمين احتياجاتهم الأساسية، ومستويات المعيشة التي كانت سائدة من قبل. تؤكد الدراسة أن "الفقر يزيد والغذاء يقل"، مع تراجع قيمة العملة وارتفاع معدلات زيادة الأسعار ورفع تكاليف المعيشة بشكل يمس مباشرة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين وفرص حصولهم على الغذاء الكافي والخدمات الأساسية، ويزيد من حجم "اللامساواة".

تشير الدراسة إلى تراجع استهلاك الأسر من اللحوم والبيض والدواجن والأسماك، إذ تتجه إلى استبدال عناصر غذائية بأخرى أقل تكلفة وأقل في القيمة الغذائية. يعتبر حقوقيون أن إغلاق منافذ الترفيه أمام البسطاء، مع توجه الحكومة إلى وضع أسوار على الشواطئ النيلية والبحرية، وتحويل المتنزهات العامة إلى ملاه ومحال فاخرة لا يقدر عليها البسطاء، يزيد من الإحباط، في ظل تنبؤات لصندوقي النقد والبنك الدوليين بأن تدفع الأزمة الاقتصادية إلى حالة اضطراب اجتماعي تعيد مصر والمنطقة إلى ما قبل ثورات الربيع العربي عام 2011. يعاني المصريون من ارتفاع معدلات الفقر، مع تدهور مستمر في قيمة الجنيه، بدأت برحلته مع التعويم الأول عام 2016، وزادت حدته العام الماضي، حيث فقد 50 في المائة من قيمته، ويتوقع دخوله مرحلة تعويم رابع عقب إجازة العيد بعد أن بلغت قيمة الدولار 44 جنيها في سوق التعاملات الآجلة لمدة 12 شهرا.

وتغذي توقعات خبراء المزيد من انخفاض سعر الصرف، والضغط المتزايد على الدولار، حدوث موجات تضخمية تصاعدية، مع عدم قدرة الحكومة على التحكم بالأسعار، في وقت التزمت مع صندوق النقد بتخفيض الدعم، ورفع أسعار الكهرباء والوقود للحد من العجز في الموازنة ومواجهة الفقر.

مفاجأة للعمال

وكانت الحكومة تجاهلت دعوة العاملين في الحديقة ومنظمات المجتمع الأهلي إلى عدم المساس بالحديقة وتحويلها لمشروع سياحي يغير معالمها التاريخية، في ظل وعود متكررة بأن الشركة الخاصة ستتولى تدبير نحو مليار جنيه لإجراء عملية التطوير خلال 18 شهرا، وفقا للمعايير الدولية. فوجئ العاملون في الحديقة بأن شركة تطوير الحديقة أسست، منذ عدة أسابيع، من شخصيات داخل وزارة الإنتاج الحربي وبعض معارفهم ممن يعملون في شركة الحراسة الأمنية بداخلها، وأن التمويل الاستثماري الأجنبي الموعود سيأتي من خلال البنوك المحلية.

قال عاملون لـ"العربي الجديد": الحديقة تحقق أرباحا سنوية تصل إلى 25 مليون جنيه، وتدفع رواتب الموظفين وشركة الأمن التابعة لجهات سيادية، رغم عدم التزام الحكومة بجلب حيوانات نادرة تعرضت للشيخوخة أو نفقت مع الزمن، لعدم قدرتها على تدبير الدولار للشراء.
 

المساهمون