صدمات معيشية للبريطانيين... تقليص الإنفاق على الطعام والتدفئة

صدمات معيشية للبريطانيين... تقليص الإنفاق على الطعام والتدفئة لتدبير الإيجارات

16 مايو 2022
تكلفة المعيشة دفعت الكثير من الأسر إلى تقليص الضروريات مثل الطعام (Getty)
+ الخط -

أرغمت أزمة تكلفة المعيشة الآخذة في التصاعد في بريطانيا، المتسوقين على اختيار أولويات إنفاقهم، وكذلك التقشف في بنود رئيسية مقابل الحفاظ على المأوى، فيما تخشى معظم الأسر أن تتفاقم الأوضاع في ظل عدم وجود بوادر لكبح الغلاء الذي تضافرت سلسلة من الصدمات في تغلغله في البلاد.

فما إن تنفس المواطنون الصعداء من تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وجائحة فيروس كورونا العامين الماضيين، حتى أطلت صدمة أسعار الطاقة أخيراً بفعل الحرب الروسية في أوكرانيا وانتعاش الطلب العالمي بعد الخروج من الوباء، ما أثر سلباً في مداخيل الناس.

ورغم أن التضخم مشكلة عالمية، فإنّ حكومة بوريس جونسون تتعرض لانتقادات واسعة بسبب تردي أوضاع المستهلكين، وتواجه ضغوطاً متزايدة لمساعدة الناس وإيجاد حلول مناسبة لهذه الأزمة.

لذلك سلّط جونسون، يوم الثلاثاء الماضي، عند تقديمه جدول الأعمال التشريعي للحكومة للدورة البرلمانية 2022-2023، الضوء على حزمة دعم بقيمة 22 مليار جنيه إسترليني (26.9 مليار دولار) تهدف إلى التعامل مع أزمة تكلفة المعيشة.

وأقرّ جونسون بأن خطورة المشكلة هي من النوع الذي لا يمكن الحكومة حلها جذرياً، بل تحاول التخفيف من أضرارها.

ووفق استطلاعات رأي حديثة حول معنويات المستهلكين من مجموعات بحثية عدة، تبيّن أنّ الأسر البريطانية هي الأكثر تشاؤماً بشأن مواردها المالية الشخصية مقارنة بأيّ اقتصاد رئيسي آخر في أوروبا، وأن ثقتها بالدخل الشخصي وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ عام 1985.

وهو ما أدّى إلى انخفاض الإنفاق في الشوارع الرئيسية في البلاد بنسبة 0.3% في إبريل/نيسان الماضي نتيجة انخفاض حاد في ثقة المستهلك والمزيد من الضغوط على ميزانيات الأسر، وذلك وفقاً للأرقام الصادرة عن تقرير مراقبة مبيعات التجزئة الذي نشره اتحاد التجزئة البريطاني.

وهذا أول انخفاض سجله المسح الصناعي خلال 15 شهراً حتى مع ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم الذي أدى إلى خفض ما يمكن المستهلكين إنفاقه.

في الوقت نفسه، تظهر أرقام منفصلة أنّ الإنفاق الإجمالي لبطاقات الائتمان على التسوق وتناول الطعام في الخارج تباطأ خلال الشهر الماضي، حيث بات الناس أكثر حذراً في إنفاقهم.

ووفق دراسة استقصائية أجراها مكتب الإحصاءات الوطنية لشهر مارس/آذار، فإنّ حوالى ثلث الأشخاص قالوا إنّ أزمة تكلفة المعيشة دفعتهم إلى تقليص الضروريات مثل الطعام والتدفئة.

ونقلت صحيفة آي الأسبوع الماضي، عن هيلين ديكنسون، الرئيسة التنفيذية لاتحاد التجزئة البريطاني قولها إن "ارتفاع تكلفة المعيشة قد حطم ثقة المستهلك وكبح إنفاق المستهلكين". فقد تراجعت مبيعات التجزئة بنسبة 1.7% في إبريل/ نيسان، إذ تدنّى الإنفاق على السلع الأكثر تكلفة والباهظة الثمن. كذلك انخفض إجمالي مبيعات المواد الغذائية للأشهر الثلاثة الماضية بنسبة 1.3%.

وتوقع بنك إنكلترا قبل أيام، أن تتفاقم الأمور ليصل التضخم إلى 10% بنهاية عام 2022، مدفوعاً بمجموعة من العوامل بما في ذلك ارتفاع أسعار الطاقة واضطرابات سلاسل التوريد بعد وباء كورونا. ولا يتوقف التضخم عن الصعود منذ بداية العام الجاري، إذ ارتفع بنسبة 5.5% على أساس سنوي في يناير/ كانون الثاني، و6.2% في فبراير/شباط و7% في مارس/آذار.

والأسبوع الماضي، نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية عن آندي هالداني، كبير الاقتصاديين سابقاً في بنك إنكلترا قوله، إن أزمة التضخم في بريطانيا ستستمر لأعوام، وليس لأشهر، ويمكن أن تستمر حتى 2024.

وبجانب تداعيات ارتفاع أسعار الطاقة، تتفاقم الأسعار بسبب التأخير في استيراد البضائع من الصين، في ضوء أزمة سلاسل التوريد التي ظهرت بالأساس مع انتشار جائحة كورونا.

ولا تبدو تداعيات ارتفاع أسعار السلع بمعزل عن قدرة الأسر على توفير السكن الملائم. وتتطلّب الموافقة على استئجار سكن في بريطانيا، الكشف عن الراتب السنوي وسجل الإيجار ومستوى الرصيد وغيرها.

يقول توماس (47 عاماً) في حديث مع "العربي الجديد" إن إيجار منزل من ثلاث غرف نوم وفي وضع جيد إلى حد ما في ضواحي لندن مثل إيلينغ وبرينتفورد وهانسلو، يبدأ من 2000 جنيه إسترليني شهرياً.

ويضيف توماس أنه رغم أن راتبه السنوي يبلغ 65 ألف جنيه إسترليني، إلا أنه سقط في الكشف الذي تجريه مكاتب العقارات لاستئجار سكن قيمته 2200 جنيه شهرياً، موضحاً أنّه قيل له إنّه ينبغي أن يجد سكناً قيمته 2167 لكون هذه القيمة تناسب قدرته على تحمّل تكاليف الإيجار.

ويشير إلى أنّ العثور على سكن مناسب بات مهمة شبه مستحيلة في لندن وضواحيها وأن العائلات تعيش في توتر وقلق من ارتفاع الأسعار بشكل عام. وفي السياق ينصح خبراء اقتصاد بضرورة ألا ينفق المستأجر أكثر من 35% من دخله على الإيجار وحده.

وبحسب المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، من المتوقع أن تعاني حوالى 1.5 مليون أسرة بريطانية لدفع فواتير الغذاء والطاقة وسط أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة التي ستغرق المملكة المتحدة في الركود.

ويرى المعهد أنه مع تراجع القدرات الشرائية ستنزلق أكثر من 250 ألف أسرة إلى الفقر المدقع العام المقبل، وسيصل العدد الإجمالي للذين يعيشون في فقر مدقع إلى حوالى مليون شخص ما لم تُتَّخذ إجراءات عاجلة.

المساهمون