عن تراجع الدولار في مصر

عن تراجع الدولار في مصر

27 مايو 2019
تراجع الدولار المتواصل غير منطقي (فرانس برس)
+ الخط -

نستطيع أن نحصي عشرات الأسباب التي تبرر ارتفاع الجنيه المصري ليسجل أعلى مستوى له في عامين، وتفسر تراجع سعر الدولار في مصر وفقدانه ما يقترب من جنيهاً واحدا من قيمته منذ بداية العام الجاري وبما يعادل 5%.

ومن بين الأسباب تحسّن إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، خاصة من قطاعات مهمة مثل السياحة والصادرات وتحويلات العاملين في الخارج واكتشافات الغاز الطبيعي الأخيرة والتي على أثرها تحولت مصر من مستورد للغاز إلى مصدّر له.

ومن بين أسباب تراجع الدولار كذلك إعادة تدفق الأموال الساخنة واستثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية إلى مصر بعد فترة هروب دامت طوال العام 2018، وتراجع الواردات بشكل ملحوظ بسبب قيود الاستيراد وزيادة الجمارك والرسوم، ومعها تراجع عجز الميزان التجاري.

ومن بين الأسباب حالة الانكماش الشديدة التي سيطرت على الأسواق المحلية مع زيادة أسعار السلع وضعف القوى الشرائية للمواطن، وهو ما خفّض الطلب على النقد الأجنبي الذي كان مخصصاً لتمويل دورة العملية الاستيرادية.

كما لعبت حملة "خليها تصدي" الموجهة ضد جشع تجار السيارات، ونقص السيولة في الأسواق دوراً مهماً في خفض الطلب على الدولار.

وكان لخطوة مد البنك المركزي المصري آجال سداد ديون خارجية مستحقة على البلاد لكل من الصين والسعودية والإمارات والكويت دورا مهما في تخفيف الضغط على احتياطي النقد الأجنبي والذي حافظ على توازنه رغم زيادة الأعباء الخارجية خاصة أقساط وفوائد الديون.

ونستطيع في المقابل أن نحصي عشرات الأسباب التي تؤكد أن تراجع الدولار المتواصل غير منطقي ولا يعبر عن مؤشرات الاقتصاد الحقيقية، ومن بين الأسباب التوسع الكبير في الاستدانة، وتجاوز الدين الخارجي حاجز المائة مليار دولار، وزيادة القروض قصيرة الأجل المستحقة على الدولة، وتفاقم عجز الموازنة العامة، وزيادة الدين العام ليقترب من حاجز الستة تريليونات جنيه.

ومن بين الأسباب كذلك التراجع الكبير في الاستثمارات الأجنبية بنسبة 26% خلال النصف الثاني من العام الماضي 2018، وعدم حدوث تحسن كبير في إيرادات قناة السويس رغم مليارات الدولارات التي أنفقت على توسيعها وتعميق مجراها في العامين 2015 و2016.

بل وتزايدت الضغوط على القناة مع زيادة حدة التوتر في الخليج بين أميركا وإيران وتهديد طهران أكثر من مرة بإغلاق مضيق هرمز الذي تمر عبره نحو 90% من صادرات الخليج النفطية والتي يتجه جزء مهمّ منها إلى أوروبا عبر قناة السويس.
وخارجيا، نلحظ أن عملات الأسواق الناشئة تتراجع مقابل الدولار، وليس العكس كما يحدث في مصر، وذلك بسبب زيادة حدة الحرب التجارية بين أميركا والصين، وعودة رؤوس الأموال إلى أميركا مع زيادة سعر الفائدة على الدولار، وزيادة المخاطر الجيوسياسية في العديد من المناطق بما فيها منطقة الشرق الأوسط، وتوقعات بتباطؤ الاقتصاد العالمي.

لكل ذلك يطرح كثيرون سؤالا: هل البنك المركزي المصري عاد ليدعم الجنيه مقابل الدولار مجدداً رغم تعويم العملة المحلية في شهر نوفمبر 2016 وباتفاق مع صندوق النقد الدولي؟

وكالة رويترز العالمية أجابت عن هذا السؤال قبل أيام حيث نقلت عن بعض المصرفيين والعاملين في البنوك قولهم إن البنك المركزي المصري يتدخل بشكل غير مباشر في السوق لدعم الجنيه رغم نفي البنك لذلك.

وإذا حدث ذلك، كما قالت رويترز، فما الهدف من خطوة البنك المركزي في هذا التوقيت بالذات، وهل سيواصل الدولار تراجعه مقابل الجنيه، ولماذا لم ينعكس هذا التراجع على الأسعار؟ تلك أسئلة سنعود إليها لاحقاً.

المساهمون