معركة الزراعة الأميركية... الصين تشدد خناقها لمحاصرة ترامب

معركة الزراعة الأميركية... الصين تشدد خناقها على القطاع لمحاصرة ترامب

08 اغسطس 2019
المزارعون الأميركيون يعانون من صعوبات التصدير (جون تلوماكي/ Getty)
+ الخط -
في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، وبينما كان المفاوضون الأميركيون والصينيون يستعدون لاستئناف المباحثات التجارية، بعد فترة توقف تجاوزت الشهرين، أعلنت الإدارة الأميركية توسيع نطاق التعويضات المقدمة لمزارعيها، لتشمل حزمة مساعدات إضافية، تصل قيمتها إلى 16 مليار دولار. أغلب هذا الدعم في صورة مدفوعات نقدية مباشرة، لتعويضهم عن انخفاض أسعار منتجاتهم، وتراجع مبيعاتهم، بعد فرض الصين تعريفات انتقامية عليهم.

وأعلنت الإدارة الأميركية أن التعويضات الجديدة، التي تعد الثانية من نوعها، بعد ما دفعته للمزارعين قرب نهاية العام الماضي وبلغت قيمته 12 مليار دولار، سيتم تقديمها على دفعاتٍ ثلاث، تبدأ أولها في النصف الثاني من أغسطس / آب الحالي، وتعقبها الثانية خلال الخريف المقبل، ثم الأخيرة في الشتاء.

إذ بعد أن فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية على كميات ضخمة من وارداتها من الصين، اعتباراً من منتصف العام الماضي، ردت الأخيرة بفرض تعريفات انتقامية على المنتجات الأميركية الزراعية، كما امتنعت الشركات الصينية عن شراء تلك المنتجات، رغم عدم الإعلان عن أي توجيهات حكومية في هذا الإطار. وقررت الولايات المتحدة تعويض المزارعين المتضررين من الإجراء الصيني، بمنحهم مبلغاً يتراوح بين 15 – 150 دولاراً لكل فدان، حسب حجم التأثير الواقع عليهم بفعل التعريفات، والذي تم احتسابه وفقاً لأعلى قيمة تم التصدير بها خلال السنوات العشر الأخيرة.

وقال سوني بيردو، وزير الزراعة الأميركي، إن الإعانات المادية سيتم تقديمها لمنتجي 29 محصولاً أميركياً، أهمها فول الصويا والقمح والذرة والقطن واللوز، وإن التركيز هذه المرة سيكون على مساحة المزارع وموقعها، وحجم الضرر الذي أصابها جراء فرض التعريفات، حتى لا يغير المزارعون من خططهم الزراعية للحصول على التعويضات، كما حدث في المرة الأولى.

ورغم نفي بيردو، مطلع العام الحالي، نية الإدارة الأميركية تعويض المزارعين مرة أخرى، بعد تعويضات العام الماضي، تغيرت الأمور في مايو/أيار، حين تعثرت المفاوضات بين الاقتصادين الأكبرين في العالم، حول ما يتعين على الصين شراؤه من المحاصيل واللحوم الأميركية.

بالإضافة إلى الخلافات الأخرى، المتعلقة بالسرقات الإلكترونية وإجبار الشركات الأميركية على نقل تقنياتها الحديثة إلى الصين. ويحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من خلال التعويضات، استرضاء المزارعين الأميركيين، الذين يشكلون واحدة من أهم قواعده الانتخابية، قبل انتخابات العام القادم الرئاسية.

وساهم إنتاج المزارع الأميركية، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة الأميركية، بأكثر من 130 مليار دولار، تمثل حوالي 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، بينما تجاوزت قيمة الإنتاج الزراعي والغذاء والصناعات المرتبطة بهما مبلغ 1.053 تريليون دولار، أي 5.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي في 2017، وهو ما يؤكد أهمية القطاع بالنسبة لصانع القرار الأميركي، بالنظر إلى عدد من يمكن أن يصيبهم الضرر من تباطؤ نموه أو انخفاض مبيعاته.

وبعد أن تعثرت مفاوضات الأسبوع الماضي، أعلن ترامب فرض تعريفات إضافية، يبدأ تطبيقها مطلع الشهر المقبل، بنسبة 10 في المائة، على ما قيمته 300 مليار دولار من المنتجات الصينية، تمثل تقريباً كل ما تبقى مما لم يفرض عليه تعريفات من واردات الولايات المتحدة من الصين. كذا، صنفت وزارة الخزانة الأميركية الصين كدولة متلاعبة في أسعار عملتها. عندها أعلنت الصين تعليق مشترياتها من كافة المنتجات الزراعية الأميركية، لتزيد من أوجاع القطاع الأكثر تضرراً حتى الآن من ردود الفعل الصينية.

وطالبت اتحادات المزارعين الإدارة الأميركية بالضغط لإنهاء النزاعات التجارية والتوصل إلى حلول طويلة الأجل مع كبار مستوردي المنتجات الزراعية الأميركية، لتجنب حدوث خسائر في الفترة المقبلة. وعلى حسابه على موقع التواصل الإجتماعي تويتر، عبر زيبي دوفال، رئيس اتحاد المزارعين الأميركيين عن صدمته من القرار الصيني، مؤكداً أن "المزارعين الأميركيين يفضلون التصدير على الحصول على التعويضات".

وفي تقرير صدر العام الحالي، توقع مركز الأبحاث "تريد بارتنرشيب وورلد وايد" أن تؤدي التعريفات الانتقامية المفروضة على المنتجات الزراعية الأميركية إلى فقدان القطاع الزراعي الأميركي ما يقرب من 70 ألف وظيفة خلال العامين المقبلين.

وتشير بيانات وزارة الزراعة الأميركية إلى أن الصين كانت واحدة من أهم مستوردي منتجات المزارع الأميركية، خلال الفترة بين 2009 و2017، مع كندا والمكسيك، بإجمالي قيمة مشتريات تجاوزت 19 مليار دولار في 2017 وحدها. وبعد فرض التعريفات اعتباراً من العام الماضي، انخفضت قيمة تلك المشتريات في 2018 إلى أقل من النصف. وخلال الشهور الستة الأولى من العام الحالي، انخفضت مشتريات الصين من المنتجات الزراعية الأميركية بنسبة 20 في المائة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وهي الفترة التي سبقت فرض التعريفات الأميركية للمرة الأولى.

وسجلت مبيعات فول الصويا، أهم المنتجات الزراعية الأميركية، للصين، التي تستهلك ما يقرب من ثلث إنتاجه العالمي، أقل مستوى لها منذ عام 2002. وأظهرت أحدث البيانات الصادرة وصول مخزون فول الصويا، إلى 48.7 مليون طن، بارتفاع بنسبة 47 في المائة عن العام الماضي، وانخفاض اتفاقات تصديره للصين إلى 14.3 مليون طن، خلال موسم التصدير الذي ينتهي بنهاية أغسطس / آب الجاري، أي نصف قيمة ما تم تصديره في الموسم السابق. كما تشير العقود المستقبلية في بورصة الحبوب حالياً إلى انخفاض سعر فول الصويا، الذي تعد الولايات المتحدة أكبر منتج له في العالم، ليقترب من أقل مستوياته في عقود.

وعلى نحوٍ متصل، أكد جيم مولهرن، الرئيس التنفيذي لاتحاد منتجي الألبان، أن صادرات منتجات الألبان الأميركية انخفضت بنسبة 54 في المائة خلال الفترة التي مضت من العام الحالي. ويؤكد اتحاد تعاونيات الألبان فارم فيرست أن الصناعات المرتبطة بمنتجات الألبان توفر 2.96 مليون فرصة عمل، وتساهم في الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بما يقرب من 628 مليار دولار، وتورد 64 مليار دولار من الضرائب إلى وزارة الخزانة.

ويسبب توقف الصينيين عن شراء لحم الخنزير من الولايات المتحدة، وهم الأكثر استهلاكاً له بين شعوب العالم، مشاكل كبيرة للمزارعين ومربي المواشي الأميركيين، كما للصناعات المرتبطة بتجهيزه، بعد أن ارتفعت مشترياتهم في سنوات ما قبل الحرب التجارية، بفعل إصابة قطعان الخنازير الصينية ببعض الأمراض. ويرى منتجو اللحم في أمراض الخنازير الصينية فرصة بدأت تتسرب من بين أيدي المنتجين الأميركيين، بسبب النزاعات التجارية الأخيرة. وصدرت الولايات المتحدة للصين ما قيمته 6.39 مليارات دولار من لحم الخنزير في 2017.

وفي حين تتراجع الصادرات الزراعية الأميركية إلى الصين، عاودت الصادرات الصينية إلى دول العالم الارتفاع مسجلة زيادة طفيفة خلال تموز/يوليو رغم الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وفق ما أظهرت بيانات نشرتها مديرية الجمارك الصينية الخميس.

وبقي الفائض التجاري الصيني مستقرا في تموز/يوليو عند 45,05 مليار دولار، مقابل 44,23 مليار دولار في الشهر السابق. أما مع الولايات المتحدة، فسجل الفائض تراجعا طفيفا إلى 27,97 مليار دولار بالمقارنة مع 29,9 مليارا في حزيران/يونيو.

وفي ظل الرسوم الجمركية المشددة المتبادلة بين البلدين منذ عام، تراجعت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بنسبة 6,46 في المائة على مدى عام، فيما تراجعت الواردات بنسبة 19,09 في المائة، أي بنسب أدنى منها في حزيران/يونيو حين بلغ التراجع 7,75 في المائة للصادرات و-31,44 في المائة للواردات.

المساهمون