إسرائيل تسطو على حقول الغاز وفلسطين تغرق في الظلام

إسرائيل تسطو على حقول الغاز وفلسطين تغرق في الظلام

06 نوفمبر 2014
سكان غزة يعانون من أزمة طاقة خانقة (الأناضول)
+ الخط -
ليس في البر وحده، يرتكب الاحتلال الإسرائيلي جرائم سرقة الموارد والثروات الطبيعية لفلسطين وسكانها، بل طالت يده حقول الغاز الطبيعية في أعماق البحر المتوسط قبالة السواحل الفلسطينية. وتمكنت إسرائيل، خلال السنوات الماضية، من السطو على حقول للغاز الطبيعي قبالة سواحل البحر المتوسط، وهي: تمار 1 وتمار 2 غرب حيفا، ولقياثيان 1 ولقياثيان 2 غرب يافا، وسارة وميرا غرب نتانيا، وماري قرب غزة، وشمن قرب أسدود، وكاريش غرب حيفا، وهي حقول مملوكة للفلسطينيين، حسب خبراء نفط وقانون دوليين.
ويعمل الاحتلال على استخراج الغاز من ثلاثة حقول، بينما تم استنزاف الاحتياطي في حقلين آخرين، ويحتفظ بباقي الحقول مغلقة لاستخدامها في المستقبل، وفق تقارير إسرائيلية صادرة منتصف العام الجاري.
ويقدّر وزير المالية في حكومة الاحتلال، يائير لابيد، إيرادات الغاز الطبيعي الصافية، والذي ستنتجه الشركات الحاصلة على امتياز التنقيب والاستخراج، خلال السنوات العشرين القادمة، بنحو 220 مليار شيكل (60 مليار دولار).
وقال الباحث الاقتصادي خالد العلمي لمراسل "العربي الجديد"، إن إيرادات الغاز التي تدخل للخزينة الإسرائيلية شهرياً، ساهمت في تقليل نسب التباطؤ الاقتصادي خلال العامين الأخيرين.
وأضاف العلمي، أن حقول الغاز المكتشفة حتى اللحظة، والتي هي في الأصل فلسطينية، جعلت من الاحتلال الإسرائيلي أحد مصدري الغاز الرئيسيين في المنطقة، بل والعالم.
وتابع "الاتفاقيات التجارية الموقعة بين الاحتلال وكل من السلطة الفلسطينية والأردن ومصر مؤخراً، تجعل من الاحتلال دولة تشكل أهمية استراتيجية لاقتصادات دول الطوق، باستثناء لبنان وسورية".
وكانت السلطة الفلسطينية عبر رئيس سلطة الطاقة الوزير، عمر كتانة، قد وقعت مطلع العام الجاري في مدينة القدس، اتفاقية لاستيراد 4.75 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى الأراضي الفلسطينية، لمدة 20 عاماً، وبقيمة تتجاوز 1.2 مليار دولار.
وأشار العلمي إلى أن الاحتلال بدأ، منذ نهاية العام الماضي، تنفيذ خطة لتوليد الطاقة الكهربائية باستخدام الغاز الطبيعي، بدلاً من الفحم، والذي سيوفر أمولاً طائلة لحكومة نتنياهو، وسيخفض من أسعار الطاقة بنسبة 10٪، منذ مطلع العام القادم، بحسب صحيفة هآرتس الأسبوع الماضي.

وبالنسبة للفلسطينيين، فإنهم لا يملكون إلا حقلاً واحداً، وهو حقل "غزة مارين" الواقع قبالة سواحل المتوسط باتجاه قطاع غزة، والذي تم اكتشافه نهاية تسعينيات القرن الماضي، ولم يتم استخدامه حتى اليوم.
وبحسب تقارير صادرة عن شركة كهرباء الاحتلال الإسرائيلي، فإن الشرك، عرضت في أكثر من مناسبة شراء الحقل الفلسطيني، إلا أن محاولاته باءت بالفشل.
وكان رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمد الله، قد أكد نهاية العام الماضي، أن فلسطين ستكون دولة منتجة ومصدرة للغاز بحلول عام 2017، من خلال الحقل المكتشف قبالة سواحل غزة نهاية تسعينيات القرن الماضي.
وتوقع الحمد أن يبلغ صافي أرباح السلطة الفلسطينية، من إنتاج الغاز وتصديره محلياً ودولياً، نحو 150 مليون دولار سنوياً، "وهذا مبلغ جيد سيتم رفد خزينة السلطة به، ما سيقلل من الاعتماد على المانحين"، حسب قوله.
وتسعى الحكومة الفلسطينية إلى الاستفادة من موارد النفط والغاز، لمواجهة المشاكل الاقتصادية المتراكمة التي تواجهها، ومنها ضعف الاستثمارات، وتباطؤ مستمر في النمو الاقتصادي، والذي بلغ في الربع الثاني 2٪، الأمر الذي يدفع إلى اعتماد فلسطين على المساعدات المالية.
وفي سياق متصل يستولي الاحتلال الإسرائيلي على النفط، ولو كان بكميات قليلة، والمكتشف قرب بلدة رنتيس وسط الضفة الغربية، والذي يستخرج منه يومياً حوالى 800 برميل.
وطرحت الحكومة الفلسطينية نهاية مارس/آذار الماضي، عطاءً دولياً للتنقيب عن النفط في مناطق الضفة الغربية، على مساحة تصل إلى 432 كم مربعا، تبدأ من مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية إلى مدينة رام الله.
ووفق بيان صادر عن نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، د. محمد مصطفى، فإن الكمية الأولية للنفط في مناطق الامتياز التي سيجري التنقيب فيها بالضفة تتراوح بين 30 و186 مليون برميل.
لكن سرعان ما خرجت حكومة الاحتلال بوصف العطاءات بالباطلة، متهمة الحكومة الفلسطينية بأنها تسرق ثروات الإسرائيليين الطبيعية في وضح النهار.
وقال الخبير في الاقتصاد الإسرائيلي د. توفيق الدجاني، لـ"العربي الجديد"، إن حقول الغاز القائمة حالياً توفر 34 ألف وظيفة، يتقاضى الموظف فيها أعلى الرواتب في إسرائيل، بمتوسط يبلغ 23 ألف شيكل شهرياً (6220 دولارا).
وأضاف الدجاني، "ما يزال الاحتلال يملك احتياطياً يكفيه 40 عاماً قادمة، ما يعني أنه سيشكل لنفسه أهمية استراتيجية لعدد من الدول العربية، ودول ساحل البحر المتوسط في آسيا وأفريقيا وأوروبا".

وأشار إلى أن الإيرادات السنوية لخزينة الاحتلال بسبب صادرات الغاز، ساهمت في تحقيق أعلى نسب النمو خلال الأعوام الماضية، مع تصدير الغاز للأردن ومصر والسلطة الفلسطينية خلال السنوات القليلة القادمة، فإن العائدات سترتفع أكثر.
وكانت شركات إسرائيلية قد أجرت عدة لقاءات مع شركات تركية وقبرصية ويونانية، خلال العامين الجاري والماضي، بهدف تزويد تلك الدول بحاجتها من الغاز الطبيعي، عبر مد خط أنابيب بحري بين شواطئ الاحتلال وتركيا.
وبحسب الدجاني، فإن الإيرادات المتوقعة لخزينة الاحتلال تبلغ سنوياً 7 مليارات دولار، مع دخول اتفاقيات التصدير للأردن ومصر وفلسطين، بينما بلغت الإيرادات للعام الماضي نحو 3 مليارات دولار.
وكان الأردن قد وقع اتفاقية مع إسرائيل قبل نحو شهرين، تقضي باستيراد الغاز منها، خلال السنوات الـ15 القادمة، وبقيمة إجمالية تبلغ 15 مليار دولار، على أن تتحمل دولة الاحتلال تكاليف مد خط الأنابيب بينهما.
يذكر أن الاحتلال الإسرائيلي كان حتى عام 2011 يستورد الغاز الطبيعي من مصر، قبل أن توقف القاهرة التصدير.
وأوقفت مصر تصدير الغاز إلى إسرائيل في أعقاب عمليات تفجير متكررة لخط التصدير الرئيسي في شبه جزيرة سيناء شمال شرق مصر منذ شهر فبراير/شباط عام 2011، في ظل حالة الانفلات الأمني في ذلك الوقت، وصراع حاد بين الجيش المصري ومجموعات مسلحة في سيناء.
وسبق أن وقعت شركتا "بريتش جاز" و"يونيون فينوسا"، الشركاء الأجانب في مصنعي إدكو ودمياط للإسالة شمال مصر، مذكرة تفاهم مع الشركة المسؤولة عن حقل "تامار" قبالة السواحل الفلسطينية المحتلة والذي تسيطر عليه إسرائيل، بشأن توريد كميات من الغاز للجانب المصري لمدة 20 عاماً، في صفقة تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار.
وكان موقع "كالكليست" الإخباري الاقتصادي الإسرائيلي قد ذكر نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن خطاب النوايا الذي تم توقيعه بين التحالف المسؤول عن حقل "تامار" وشركة مصرية، يقضي بنقل الغاز عن طريق خط أنابيب تابع لشركة البحر المتوسط، التي يساهم فيها رجل الأعمال المصري الهارب في إسبانيا، حسين سالم، والمتهم في عدد من قضايا التربح والاستيلاء على المال العام.
وحسب "كالكليست" أيضا، يتضمن الخطاب توريد 2.5 مليار وحدة حرارية يومياً لمدة عامين، وأن يكون الضخ وفقاً لإنتاج حقل تامار. وتتعهد الشركة المسؤولة عن الحقل بتوريد كميات إجمالية لا تقل عن 5 مليارات متر مكعب خلال 3 سنوات، في صفقة تبلغ قيمتها 500 مليون دولار سنوياً.
وأكد الخبير في الاقتصاد الإسرائيلي، د. توفيق الدجاني، لـ"العربي الجديد"، أن لمصر جنوباً، ولبنان شمالاً، نصيبا في حقول الغاز التي سيطرت عليها إسرائيل في منطقة شرق البحر المتوسط خلال السنوات الماضية، لوقوع بعضها على حدود المياه الاقليمية للدولتين العربيتين.
ويتخوف لبنان في الوقت الحالي من أن يسيطر الاحتلال على حقول النفط الواقعة على الحدود البحرية بينهما.
وفي ظل التمدد الإسرائيلي لنهب حقول الغاز في البحر، تظل فلسطين المحتلة الضحية الأبرز لواحدة من أكبر عمليات السطو على مصادر الطاقة في المنطقة، بل والعالم، حسب خبراء قانون.

المساهمون