مشروعات التحرر الوطني عند الرئيس مرسي

مشروعات التحرر الوطني عند الرئيس مرسي

22 يونيو 2020
مزارعون يجمعون حصاد القمح في الجوالات بمصر (Getty)
+ الخط -


قبل أيام من انقلاب يوليو/ تموز 2013، أصدرت رئاسة الجمهورية كتيباً مصوراً يعرض "إنجازات الرئيس محمد مرسي خلال عام من توليه الرئاسة"، في محاولة للدفاع عن إنجازات الرئيس المتهم بالضعف والفشل. 

وتناول الكتيب خمسة ملفات رئيسة، هي الأمن، والكهرباء، والعدالة الاجتماعية، والتحوّل الديمقراطي، والعلاقات الخارجية. ورغم أن حجم الإنجازات كان كبيراً، لكن جوقة الإعلام الفاشي نجحت في إثارة الدخان حولها والتشكيك في جدواها وتحويل نجاح الرئيس إلى فشل والإنجازات إلى مؤامرات.

ورغم أن الإنجازات كانت مبهرة وبعضها غير مسبوقة، ولكنها عُرضت في صورة أرقام مجملة ومنبتة الصلة ببعضها، وجاء معظمها من قبيل أن معدل الناتج المحلي ارتفع من 1.8% إلى 2.4%، وأعداد السائحين من 8.2 ملايين سائح إلى 9.2 ملايين، وحجم الاستثمارات من 170 مليار جنيه إلى 181 ملياراً.

حتى عندما اعترف وزير الصناعة آنذاك، منير فخري عبد النور، في خبر نشرته الصحف يوم 21 يوليو/ تموز 2013، بأن الصادرات المصرية غير البترولية زادت في يونيو/ حزيران 2013 بنحو 21% مقارنة بالشهر نفسه من عام 2012، وزادت الصادرات خلال الأشهر الستة الأولى في عام 2013 بنحو 17% مقارنة بنفس الفترة من عام 2012، لم ينتبه أحد لإنجازات الرئيس المعتقل.
ولكن من يطالع "البرنامج الرئاسي للدكتور محمد مرسي، النهضة إرادة شعب" الذي طرحه على الشعب في فترة الدعاية الانتخابية في مايو/ أيار 2012 يجد أن الأرقام المبعثرة في الكتاب هي في الواقع مشروعات مخططة بدقة واضحة الأهداف، من نوعية المشروعات الاستقلالية التي توشك أن تتكامل مع بعضها، لو قدّر لها أن تكتمل، فتحرر مصر من التبعية. وهي مشاريع غير مسبوقة في مصر، حتى وإن تشدق بها الرؤساء السابقون واللاحقون، فإن حديثهم عنها لم يتجاوز الوعود الزائفة والكلام المنمق الذي لا يسمن ولا يغني.

ومن هنا يمكن أن نطلق على هذه الإنجازات "مشاريع الرئيس مرسي التحررية". ونكتفي هنا بالإشارة إلى أحد المشروعات التي سطرها الرئيس في برنامجه الانتخابي، المتاح حتى هذه اللحظة على شبكة الإنترنت، وحقق فيه إنجازاً مهماً، ألا وهو تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية.

لازم ننتج غذاءنا

كشف الرئيس مرسي مبكراً عن رؤيته لتعزيز استقلال مصر وتحرير إرادتها من التبعية بعد شهر واحد من انتخابه رئيساً، في كلمة ألقاها على قادة الجيش الثاني الميداني بمدينة الإسماعيلية بقوله: "إذا أردنا أن نمتلك إرادتنا، فعلينا أن ننتج غذاءنا ودواءنا وسلاحنا.. تلك العناصر الثلاثة هي ضمان الاستقرار والتنمية وامتلاك الإرادة".

ومن المعروف أن مصر بدأت استيراد القمح في بداية حكم جمال عبد الناصر حتى أصبحت في عهد مبارك أكبر مستورد للقمح في العالم. فتعهد الرئيس مرسي بتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح في غضون 4 سنوات. ولتحقيق هدفه، أخذ الرئيس مرسي مجموعة من الإجراءات التنفيذية الجريئة وغير المسبوقة.
فزادت المساحة المزروعة في عهده بنسبة 10%، وزادت الإنتاجية بنسبة 30%، بحسب إحصاءات وزارة الزراعة الأميركية. وقررت الحكومة بناء 100 صومعة لتخزين القمح لتكون سلة غذاء للمصريين، مع العلم أن نظام مبارك لم يتمكن من بناء أكثر من 19 صومعة فقط طوال فترة حكمه التي امتدّت 30 سنة.

ورفعت وزارة التموين سعر محصول القمح إلى 2650 جنيهاً للطن، بزيادة قدرها 400 جنيه عن السعر العالمي، وطلب مرسي من وزير التموين الناجح، باسم عودة، أن تسلم الوزارة ثمن القمح للمزارعين في خلال 24 ساعة فقط من التوريد، فخصص مجلس الوزراء 11 مليار جنيه مسبقاً لشراء القمح. وتوقف استيراد القمح تماماً من بداية شهر فبراير/ شباط وحتى شهر يوليو/ تموز 2013، فانخفضت فاتورة الاستيراد 2 مليون طن خلال السنة التي تولّى فيها مرسي الحكم.

الاكتفاء الذاتي من القمح قرار جريء، يتجاوز الخط الأحمر المرسوم لمصر، فهو يعني تحرير القرار السياسي من التبعية. ولك أن تعرف أنه بعد تصريحات مرسي طلب ممثل وزارة الزراعة الأميركية في القاهرة مقابلة وزير التموين الناجح، الدكتور باسم عودة.

ونقل لي الزميل مصطفى عبد الرازق، مدير مكتب الوزير، قول المسؤول الأميركي للوزير: إن قرار الاكتفاء الذاتي من القمح هو قرار خاطئ وسيتسبب لكم في كثير من المشاكل. وقد حدثت المشاكل، ودفع الرئيس مرسي ثمناً باهظاً من حريته وحياته لمشروع الاستقلال والتحرر من التبعية.

العودة إلى التبعية

وإذا عرفت ما اتخذه السيسي من إجراءات تدرك خطورة ما أقدم عليه مرسي. فقد أعلنت الحكومة بعد الانقلاب مباشرة عن استيراد كميات ضخمة من القمح، لدرجة أن كثافة المشتريات المصرية المفاجئة رفعت أسعار القمح في السوق الدولية، ما سبب مشاكل مالية في موازنات الدول الفقيرة التي تشتري القمح في نفس التوقيت، وفق أرقام البنك الدولي.
وكتبت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تقريراً في بداية سنة 2014 قالت فيه إن مصر أسهمت في زيادة أسعار القمح دولياً بعد إقدام الحكومة على شراء أكبر طلبية من القمح منذ 2010، ما أسفر عن ارتفاع أسعار القمح في العقود المقبلة عالمياً.

وقالت الصحيفة إن سوق القمح العالمي شهدت انخفاضاً غير معتاد في مشتريات القمح خلال 2013، ما أدى إلى تراجع الأسعار، الذي وصفته بـ"الأسوأ" بعد تراجعها بنسبة 18%. في إشارة إلى قرار مرسي بوقف الاستيراد.

وأشارت الصحيفة إلى تفاؤل المحللين بمعاودة الحكومة في مصر تكثيف مشترياتها من القمح، وكشفت عن تعاقدها لشراء 350 ألف طن من القمح بمتوسط سعر 317 دولاراً للطن، بعد أن وصل سعره إلى 260 دولاراً في يونيو/ حزيران 2013.

وفي شهادة حرة لنظام مرسي، قال البرلماني ياسر عمر، عضو لجنة تقصي حقائق فساد القمح، خلال حواره مع الإعلامي أحمد موسى على قناة صدى البلد، إن تصريحات وزير التموين خالد حنفي حول استيراد القمح وإنتاجه محلياً ليست واقعية وتحتوي على أكاذيب فجة، وإن نسب استيراد القمح خلال السنوات الأخيرة جاءت كالتالي: 9 ملايين طن في عام 2010، 9 ملايين طن في عام 2012، 7 ملايين طن في عام 2013، 9 ملايين طن في عام 2014، 11 مليون طن في عام 2015.

وقال النائب البرلماني إن الوزير السابق باسم عودة شهدت فترة توليه للوزارة أفضل فترة خلال السنوات الأخيرة.

تشجيع مزارعي الأرز

وفي احتفاله بعيد الفلاح عام 2012، كلف الرئيس محمد مرسي وزارة التموين باستلام الأرز من الفلاحين بسعر 2050 جنيهاً للطن، بدلاً من 1450 جنيهاً للطن. فاشترت الوزارة 800 ألف طن، وقامت ببناء مخزون استراتيجي لم تحققه حكومة من الحكومات من قبل ولا من بعد.

هذا القرار حدّ من ارتفاع الأرز الأبيض طوال فترة حكم مرسي ولم يزد سعر الأرز عن 1.5 جنيه للكيلو على بطاقات التموين، بمعدل 2 كيلو كل مواطن في الشهر، و3.5 جنيهات في السوق الحرة، وكذلك قضى على محتكري هذه السلعة الاستراتيجية، وعاد بالرخاء على المزارعين الذين ربحوا 600 جنيه في كل طن كانت تذهب لمافيا الأرز كل عام، فأفاد المزارع والمستهلك ودعم الأمن الغذائي في نفس الوقت.
في مقابل قرارات مرسي التحررية، قرر السيسي تخفيض مساحة الأرز من 1.9 مليون فدان إلى 750 ألف فدان، بدعوى أنه يستهلك مياه الري ولمواجهة سد النهضة، رغم أن الزراعة لم تعانِ شحّ المياه والسد لم يعمل بعد.

وقام السيسي بتغيير قانون الزراعة المستقر منذ 1960 لمحاربة زراعة الأرز واستحدث عقوبة السجن لمدة تصل إلى 3 سنوات، وغرامة 20 ألف جنية للفدان للمزارعين الذين يزرعون الأرز من تلقاء أنفسهم، رغم تحرير الزراعة وإلغاء قانون الدورة الزراعية الذي يلزم المزارعين بمساحة محددة.

وتوقفت وزارة التموين عن الشراء من المزارعين، وأدى تخفيض المساحة إلى تحول مصر من التصدير إلى الاستيراد الأرز بكميات كبيرة وصلت إلى 800 ألف طن ومن النوع الرديء، وارتفع سعره إلى عشرة جنيهات، ثم اختفى تماماً من الأسواق، ووصل العجز في محافظات الصعيد إلى 100% والوجه البحري إلى 80%، ثم رفع تماماً من منظومة السلع التموينية ليعاني المواطن من شح الغذاء ويزيد الترسيخ للتبعية.

دعم الفلاحين

أعفى الرئيس مرسي المزارعين الذين تقل مديونيتهم لدى بنك التنمية والائتمان الزراعي عن 10 آلاف جنيه أثناء الاحتفال بعيد الفلاح في سبتمبر 2012. فأعفى 44 ألف فلاح من ديونهم وقرر إعادة هيكلة بنك التنمية ليقتصر على تمويل الفلاحين بدون فوائد مبالغ فيها. ورفع سعر محصول الأرز من 1400 جنيه للطن إلى 2050 جنيهاً. ورفع قيمة المعاش الذي يُعطى لبعض الفلاحين عند بلوغهم سن 65 سنة من 120 جنيهاً فقط، إلى 300 جنيه، وشمل القرار جميع الفلاحين والعمال الزراعيين عند بلوغهم سن 60 سنة.

قد تظن أن قرارات الرئيس مرسي صدرت عن مشاعر عاطفية أو لمسات إنسانية ارتجلها رئيس فلاح ابن فلاح عايش معاناة الفلاحين الذين لم يجدوا من يحنو عليهم. كلا، فعندما تطالع برنامج الرئيس، يتبين لك أنها سياسة جديدة لدعم المزارعين وتشجيع الإنتاج الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

فقد وعد مرسي في برنامجه، حال توليه الرئاسة، بإلغاء الديون المتعثرة لدى بنك التنمية للفلاحين من أصحاب الحيازات الصغيرة، ودعم المزارعين وتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية كالقمح والسكر والزيت واللحوم والقطن.

ما يؤكد أن الرئيس مرسي لديه مشروع مستقبلي، واضح الهدف متكامل المعالم، لتحقيق الأمن الغذائي باعتباره من مكونات الأمن القومي ورافعة للاستقلال والتحرر من التبعية. ولا تظن أن الرئيس مرسي كان يجهل مصيره وعاقبة أمره، كلا، فقد كان رحمه الله على بينة من أمره، ويدرك عاقبة سياساته.

فقد حكى أحد أعضاء مكتب الرئيس مرسي أن عضو الكونغرس ومرشح الرئاسة الأميركية أمام باراك أوباما السيناتور جون ماكين، في زيارته إلى مصر في يناير/ كانون الثاني 2013 التقى الدكتور سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة، وقال له إن رصيدكم لدينا قد نفد.

ولما سأله الكتاتني عن السبب، رد بقوله، بسبب غزة وسيناء وموضوع "غذائنا وكسائنا ودوائنا". ورغم ذلك لم يتراجع الرئيس مرسي وأظن أنه رسم طريقاً لمن يأتي بعده.

دلالات