جولة جديدة للحرب التجارية... أميركا تستهدف عمالقة الصين

جولة جديدة للحرب التجارية... أميركا تستهدف عمالقة الصين

واشنطن
90E9464D-94FD-48BA-A61C-B7EB564A1860
شريف عثمان
اقتصادي ومصرفي مصري، خبرة تجاوزت ثلاثة عقود من العمل في مجالات الخزانة والاستثمار والتمويل، داخل بنوك ومؤسسات مالية، في مصر وأميركا، يكتب عن الاقتصاد والسياسات النقدية والتضخم والديون والبطالة والتجارة وأسواق الأسهم والسندات.
20 مايو 2019
+ الخط -
عادت الإدارة الأميركية إلى ممارسة الضغوط على الشركات الصينية العملاقة، العاملة في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا، في جولة جديدة من الحرب التجارية التي تخوضها ضد بكين، ما يزيد من القلق حول تصاعد حدة التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم، ويلقي بظلال سلبية على القطاع الأكثر تشعباً في الاقتصادات العالمية.

واليوم الإثنين، علقت شركة غوغل التابعة لألفابت بعض المعاملات مع شركة هواوي الصينية والتي تتطلب نقل أجهزة وبرامج وخدمات فنية باستثناء تلك المتاحة بشكل علني من خلال ترخيص مفتوح المصدر، مما يمثل ضربة لشركة التكنولوجيا الصينية التي سعت الحكومة الأميركية لحظر التعامل معها في جميع أنحاء العالم.

وقال متحدث باسم غوغل إنه سيكون باستطاعة أصحاب هواتف هواوي الحاليين استخدام وتنزيل تحديثات للتطبيقات التي تقدمها غوغل. وأضاف المتحدث "إننا نلتزم بالأمر ونراجع التداعيات".

وتابع:  "بالنسبة لمستخدمي خدماتنا، سيظل غوغل بلاي والحماية الأمنية التي يوفرها غوغل بلاي بروتكت يعملان على أجهزة هواوي الحالية".

ونهاية الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض حالة الطوارئ الوطنية، بسبب التهديدات التي تتعرض لها التكنولوجيا الأميركية، مفوضاً وزير التجارة لمنع إتمام صفقات تمثل خطراً غير مقبول على الأمن القومي الأميركي.

وبحسب بيان البيت الأبيض، يهدف إعلان الطوارئ إلى "حماية أميركا من المنافسين الأجانب، الذين يخلقون ثغرات في البنية التحتية والخدمات في مجال المعلومات والاتصالات التكنولوجية ويستغلونها".

ورغم عدم تسمية القرار أي شركة، إلا أن وزارة التجارة، أعلنت في وقت لاحق أنها ستضم شركة هواوي الصينية، التي تعد أكبر صانع لمعدات الاتصالات في العالم، إلى قائمة الكيانات، التي يتطلب حصول الشركات الأميركية على موافقة خاصة قبل قيامها ببيع التكنولوجيا إلى هذه الكيانات، الأمر الذي يتوقع أن يكون له تأثيرات سلبية على عمليات العملاق الصيني في المستقبل القريب.

وتضغط الولايات المتحدة منذ فترة على كل من المملكة المتحدة وألمانيا، من أجل منع الشركة الصينية من تقديم خدمات الجيل الخامس لديهما، وذلك بعد أن منعتها كل من اليابان وأستراليا ونيوزيلاندا، بإيعاز من الولايات المتحدة على أرجح التحليلات.

وعلى حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، عبّر توم كوتون عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية أركانساس، والمفضل لدى ترامب، عن تأييده للإجراءات المتخذة ضد الشركة الصينية، قائلاً "ارقدي في سلام"، تعبيراً عن وفاة الشركة الصينية.

ويرى مركز الأبحاث البريطاني اندو ايكونوميكس، المختص بالشأن الصيني، أن اختيار التوقيت لإعلان تلك القرارات يضع المزيد من الضغوط على الصين، في وقتٍ تحاول الولايات المتحدة فيه التوصل إلى اتفاق مكتوب مع الغريم الصيني بشأن النزاعات التجارية بين البلدين.

وقال المركز في مذكرة لعملائه اطلعت عليها "العربي الجديد": "تم الإعداد للحظر على مدى شهور، وسيستمر لفترة، حيث تعتبر واشنطن أن الصين تحت حكم الرئيس الصيني تشي تمثل تحدياً أيديولوجياً قوياً لطريقة الحياة الأميركية".

وبموجب الإعلان، الذي صدر في صورة أمر تنفيذي للرئيس الأميركي، مُنِعت الشركات الأميركية الخاصة من شراء التكنولوجيا من العملاق الصيني، الرائد في تقديم خدمات الجيل الخامس.

وفي نفس الوقت، يمنع الإعلان الشركة الصينية، وما يقرب من 70 شركة مرتبطة بها، من شراء أشباه الموصلات من الشركات العاملة في الولايات المتحدة. وقد مثلت الشركات الأميركية المصدر الأساسي لهذه الشركات خلال السنوات الماضية، الأمر الذي أثار فزع المستثمرين فيها من التأثيرات المتوقعة على ربحية تلك الشركات من جراء قرار الحظر.

وترى ديانا تشوليفا، مؤسس وكبير الاقتصاديين في مركز الأبحاث البريطاني اندو ايكونوميكس، أنه بغض النظر عما ستسفر عنه المفاوضات بين البلدين، فقد أصبح التوتر بينهما سمة دائمة للمناخ الاستثماري الحالي.

وتضيف: "المنافسة الاستراتيجية بين واشنطن وبكين سيكون لها تبعات في الأسواق، وأهم تلك التبعات هي ارتفاع معامل المخاطرة في الأسهم، وعودة التضخم الناتج عن ارتفاع تكلفة الإنتاج".

وفي أعقاب إصدار أمر ترامب التنفيذي، نشر مجلس صناعة تكنولوجيا المعلومات، الذي يصف نفسه بأنه "الصوت العالمي لقطاع التكنولوجيا"، الذي يرعى مصالح العشرات من شركات تكنولوجيا المعلومات الشهيرة، بياناً على موقعه، عبّر فيه عن احترامه لالتزام الإدارة الأميركية تجاه حماية الأمن القومي، وتفهمه لضرورة الحد من المخاطر التي تتعرض لها سلاسل التوريد المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إلا أنه طالبها "بالتعاون مع الشركات العاملة في هذه الصناعة عند تنفيذ الأمر الرئاسي، لضمان التقليل من التأثيرات غير المرغوب فيها".

في المقابل، قلل رن جنجفاي المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة هواوي، وهو المهندس ورجل الأعمال قوي الصلة بالحكومة الصينية، الذي التحق في بداية حياته العملية بجيش التحرير الشعبي الصيني، من التأثيرات السلبية المتوقعة على أعمال الشركة من جراء الحظر الأميركي، مؤكداً محدودية تأثيره على نموّ إيرادات الشركة.

ونقلت جريدة نيكاي اليابانية، وهي أكبر جريدة مالية في العالم، توزيعات يومية تتجاوز الثلاثة ملايين نسخة، عن جنجفاي أول تصريحاته بعد الحظر الأميركي، الذي قال فيه يوم السبت الماضي: "لم نفعل ما يخالف القانون، ولن نغير الإدارة في الشركة أو نقبل الخضوع للرقابة، كما فعلت شركة زد تي ايه (الصينية) التي وقعت الولايات المتحدة عليها قبل فترة عقوبات قاسية، شملت غرامة ضخمة تجاوزت المليار دولار، وتغيير الإدارة التنفيذية، والخضوع للرقابة".

وأكد جنجفاي أن "هواوي ستكون بحالة جيدة، حتى لو لم تتمكن من شراء الرقائق من الموردين الأميركيين". وقفزت إيرادات شركة هواوي بنسبة 39 في المائة على أساس سنوي خلال الربع الأول من العام الجاري، لتصل إلى 179.7 مليار يوان (26.81 مليار دولار)، وفق البيانات التي كشفت عنها الشركة في إبريل/ نيسان الماضي.

وكان قاو فنغ المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية، قال يوم الخميس الماضي، إن بكين تعارض بشدة فرض دول أخرى عقوبات أحادية الجانب على كيانات صينية، مضيفاً أنه يتعين على الولايات المتحدة تجنب التأثير بشكل أكبر على العلاقات التجارية بين البلدين.

وتابع: "الصين أكدت عدة مرات أن مفهوم الأمن القومي يجب ألا يُساء استغلاله، وألا يُستخدم كأداة للحماية التجارية"، مشيراً إلى أن بلاده ستتخذ كل الإجراءات الضرورية لحماية الحقوق المشروعة للشركات الصينية بكل حزم.

يأتي تشديد القيود على هواوي، في الوقت الذي قال فيه وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، إنه سيزور الصين قريباً لإجراء المزيد من المحادثات. وكان احتمال إجراء المزيد من المفاوضات محلّ شك، بعد أن تبادل أكبر اقتصادين في العالم رفع الرسوم الجمركية على سلع بعضهما البعض في وقت سابق من مايو/ أيار الجاري.

وقبل نحو عشرة أيام، أمر ترامب ببدء زيادة الرسوم الجمركية على جميع الواردات المتبقية من الصين، المقدرة بنحو 325 مليار دولار، وذلك بعد 24 ساعة فقط من زيادة الرسوم من 10 إلى 25 في المائة، على بضائع صينية بقيمة 200 مليار دولار، فيما فشلت المباحثات التي جرت بين الفريقين الصيني والأميركي في وقت سابق من الشهر الجاري، في كسر الجمود الذي خيّم على المفاوضات التجارية خلال الأسابيع الماضية.

ويصرّ ترامب على موافقة بكين على إجراء إصلاحات هيكلية لاقتصادها وتشريعاتها التجارية، وشراء المزيد من السلع الأميركية، لتصحيح الخلل التجاري بين الدولتين، الذي يميل لصالح بكين.

ولم يكتف ترامب بفرض رسوم جمركية على جميع المنتجات الصينية، بل لوّح بمزيد من الشروط، قائلاً في تغريدة على تويتر قبل نحو أسبوع، إن على الصين التحرك لإتمام اتفاق تجاري قبل انتخابات بلاده الرئاسية في 2020، ملمحاً إلى أن شروط بلاده مستقبلاً قد تكون أصعب مما هي عليه الآن.

ورغم الضغوط الأميركية المتواصلة على الصين، إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال يوم الثلاثاء الماضي، إن المحادثات لم تنهر. كما أعلن خططاً للقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة مجموعة العشرين في اليابان، أواخر يونيو/حزيران المقبل.

ويقلق التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين الأسواق العالمية. وكانت وكالة بلومبيرغ الأميركية قد ذكرت في تقرير لها في الثاني عشر من مايو/ أيار، إن المستثمرين حول العالم يقفون على أهبة الاستعداد لمواجهة موجة جديدة من الاضطرابات في أسواق المال.

ذات صلة

الصورة

منوعات

استعادت شبكات الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة نفسها للحياة بشكلٍ جزئي، بعد أسبوعين من التوقف القسري الناجم عن استهداف الاحتلال الإسرائيلي للبنية التحتية.
الصورة
ميناء أشدود/Getty

اقتصاد

انعطفت الأسواق الإسرائيلية سريعاً نحو أوروبا، وسط نقص وتأخير في السلع القادمة من آسيا تحديداً، بسبب استهداف الحوثيين المكثف للسفن المتجهة إلى إسرائيل.
الصورة
الناشطة الإيغورية رحيل داوت (إكس)

مجتمع

حُكم على عالمة بارزة من الإيغور مُتخصصة في دراسة الفولكلور والتقاليد الشعبية بالسجن المؤبد، وفقاً لمؤسسة مقرها الولايات المتحدة تعمل في قضايا حقوق الإنسان في الصين.
الصورة

سياسة

تأسست مجموعة "بريكس" كجبهة اقتصادية وسياسية طموحة تعكس تحولاً جذرياً في النظام العالمي. جمعت البرازيل وروسيا والهند والصين في بادئ الأمر لتشكيل هذه المنظمة في عام 2006، تحت اسم "بريك"، وتم انضمام جنوب أفريقيا إليها في عام 2011، ليصبح الاسم "بريكس".

المساهمون