عين ترامب على الاقتصاد التركي

عين ترامب على الاقتصاد التركي

09 أكتوبر 2019
تمتلك تركيا العديد من نقاط القوة الاقتصادية (فرانس برس)
+ الخط -
ربما اللافت بتغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقت أعلنت تركيا ساعة الصفر للدخول إلى شرقي الفرات بسورية، بعد نفاد صبرها جراء التملص والتردد الأميركي، أنها طاولت الاقتصاد بقول ترامب "سندمر الاقتصاد التركي في حال تجاوزت تركيا حدودها ضمن عمليتها العسكرية القادمة في شمال شرق سورية".

في حين الأولى والأكثر منطقية في تصادم كهذا، أن يقول ترامب "سندمر القوة العسكرية التركية أو سنعمل على إبطال مفاعيل صواريخ أس 400 التي استوردتها أنقرة من روسيا أخيراً"، معلنة التحدي بعدما شقت صف حلف شمال الأطلسي.

واستهداف الرئيس الأميركي الاقتصاد التركي، يوم الاثنين، ليس المرة الأولى، إذ وأمام أي خلاف أو اختلاف بالمواقف، يرفع ترامب عصا العقوبات الاقتصادية بوجه أنقرة، ولا يجد سبيلاً لثني تركيا، أو تبديل مواقفها، إلا من بوابة الاقتصاد.

ولعله بحل قضية القس الأميركي أندرو برانسون، الذي حاكمته تركيا العام الفائت بتهمة التجسس، دليل يدعو للتساؤل عن زج اقتصاد تركيا الناشئ بقضايا لا تمت للاقتصاد بأي صلة.

قد تكون أول إجابة تقفز إلى الذهن: هذه طريقة ترامب في حربه مع جميع الخصوم، وحتى أصدقاء الأمس الذين يتطلعون للخروج عن بيت طاعة واشنطن، فهو جربها ولا يزال، مع منافس الغد الصين، وفعلها ولا يزال مع روسيا، بل ويستمر بها مع إيران، فلماذا الغرابة مع تركيا.


أعتقد أن الحال يختلف هنا، فتركيا التي أعلنت 2023 عام التحدي لتدخل ضمن نادي العشرة الكبار، وتسعى لتحقيق أهداف مئويتها عبر التصدير والإنتاج والسياحة، يمكن أن تكون حالة مؤرقة لأوروبا أولاً وللولايات المتحدة بعدها، إن وصلت لذاك الحلم، خاصة بعد مؤاخاتها العسكرة والتطور العلمي مع الاقتصاد.

فما سعت إليه تركيا من امتلاك صواريخ "أس 400" التي تعمل على تدمير أكثر من هدف واحد في الوقت نفسه، بما فيها الطائرات والصواريخ الباليستية والبحرية المجنحة.

وما تحضر له تركيا بعد بناء أول محطة "أكويو" النووية في ولاية مرسين، جنوبي البلاد، سيجعلها على الأرجح قوة اقتصادية وعسكرية، تقدم على مشروعات مواجهة، إن بدأت مما تقول حقها بالمياه الإقليمية في شرقي المتوسط، قد لا تنتهي في قبرص الشمالية.

بيد أن السؤال هنا: هل يمكن للرئيس الأميركي، وعبر سلاح "تويتر"، أن يهز أو يخلخل اقتصاد تركيا التي بلغت المرتبة 18 عالمياً واقترب حجم اقتصادها "الناتج" من 900 مليار دولار؟

أغلب الظن أن الإجابة هنا ذات وجهين، الأول أن قوة الولايات المتحدة العسكرية والاقتصادية، وسطوتها الممتدة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، تمكنها من تبطيء نمو الاقتصاد التركي ووضع عديد من العصي بوجه مساعي أنقرة.

وثمة أدلة هنا تزيد من ترجيح صحة هذا الوجه، فواشنطن هي التي تقيّم أداء اقتصادات العالم وشركاتها ووكالاتها، أو الدائرة بفلكها، وتمنح التصنيف الائتماني، فضلاً عن أن عقوبات وزارة الخزانة الأميركية واجبة التنفيذ على الجميع.

فماذا لو امتلكت واشنطن "سلاح تويتر" الذي أربك العالم، ووضع صنّاع القرار السياسي والاقتصادي بحيرة من أمرهم عمّا يمكن الرد على "تغريدات" متناقضة لرئيس دولة تمتلك خمس الناتج الإجمالي العالمي وأساطيل جيشها تجوب العالم وبحاره.

هذا إن لم نأت على انكشاف الاقتصاد التركي، عبر عجز الميزان التجاري وضخامة الديون، ما يجعله عرضه للتأثر، خاصة بعملته وأسواقه المالية وجذبه للاستثمارات، جراء تصريح أو تغريدة.

لكن، بالوجه الآخر، تمتلك تركيا من نقاط القوة، والاقتصادية أولها، ما جعلها تقول: "لا لواشنطن بزمن النعم"، وربما بالرد على العقوبات بالمثل، إن على شخصيات ووزراء أو على الواردات، مؤشر للتفكير، قبل إعلان العداء لهذا النمر الاقتصادي.


فالقصة هنا ليست جغرافيا وعضوية حلف الناتو فحسب، بل اقتصاد حقيقي متنوع، يمتاز بمراتب أولى عالمياً على الصعيد الزراعي، وخطط محكمة لبلوغ قبلة العالم، على صعيدي السياحة والمراكز المالية.

كما من نقاط قوة تركيا الاقتصادية، بعيداً عن حجم صادراتها واحتياطياتها من العملات والذهب، أنها تحررت من ديون المؤسسات الدولية، ما يجعلها سيدة نفسها، حتى باتخاذ قرارات مواجهة مع واشنطن، توجع إن لم نقل تقتل، فأنقرة تقول لا حينما تفرض الولايات المتحدة عقوبات على إيران، بل وتلغي تركيا الدولار من تعاملاتها البينية مع روسيا، وربما لاحقاً مع دول يمكن أن تخنق واشنطن، كالصين والهند والبرازيل.

خلاصة القول: لأن الاقتصاد هو وجه السياسة الآخر، بل ومحركها ومصدر قوتها، تحاول تركيا ألا تصل لنقطة التصادم المباشر مع الولايات المتحدة، فتخسر، أو ترمي بخطط وعمل خمس عشرة سنة من السعي للحلم، وكذا واشنطن، التي تشعر وتستشعر أن لدى تركيا من الخيارات، السياسية والاقتصادية، ما يمكنها من الضغط للآخر.

لذا وجدنا ترامب الذي "غرّد" بتدمير الاقتصاد التركي، عاد في اليوم التالي لـ"ينشز" فيدعو الرئيس التركي لزيارة واشنطن في الثالث عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ويضيف "الكثيرون ينسون بأن تركيا شريك تجاري كبير للولايات المتحدة الأميركية".

المساهمون